قبل تصميم نظام اتصالات بعيد المدى سواءً كان عابراً للقارات أو بالأقمار الصناعية نحتاج إلى فهم خواص الوسط الذي ستمر الموجة فيه؛ لتفادي أي مشكلة و التحضير لأي عائق ثم التفكير ثانياً بكيفية الاستفادة من تلك الخواص، سنتعرض لهذا في هذا المقال.
الشكل 1: صورة تعرض طبقات الغلاف الجوي، و مكان طبقة الأيونوسفير منها[1].
الغلاف الجوي مؤلف من طبقات أدناها هو (تروبوسفير) و الذي فيه الهواء الذي نتنفس، و من ثم يتلوه عدة من الطبقات بجانب هذه الطبقات طبقة أيونية Ionosphere يحدث فيها تغيرات فيزيائية على مستوى الذرات، فبسبب أشعة الشمس ينتزع من كل ذرة إلكترون واحد والناتج من العملية يكون أيون وإلكترون حر.
الطبقة الأيونية (الأيونوسفير) تكون على ارتفاع من 50 إلى 900كم، و هي مؤلفة من عدد من الطبقات بحكم شدة الإشعاع الساقط عليها و بالتالي إلى درجة التأين، أيضاً إلى كمية ذرات المواد و التي تكون وقوداً لهذه العملية علماً أن ارتفاعات الطبقات متغيرة بحكم الفصول السنوية، والعواصف الشمسية، وبين الليل و النهار.
الشكل 2: صورة لأجزاء الطبقة الأيونية[2].
و هذه الطبقة مُقسمة كما تشير الصورة إلى طبقات هي”D,E,F”، و في النهار نتيجة إلى إشعاع الشمس ينقسمF إلى مستويين و ليلًا يعودان مجدداً إلى ذات الطبقة و تتلاشى ليلاً الطبقة D.
الشكل 3: صورة تعرض الاختلاف في الطبقة الأيونية ما بين النهار و الليل [3].
الطبقة D تعتبر موهنة بشكل شديد للموجات المارة فيها و مستوى التوهين فيها attenuation له علاقة مع تردد الموجة فكلما قل ترددها زادت نسبة التوهين لها في هذه الطبقة، يعود سبب هذه الشدة إلى كثرة الذرات في ذلك الوسط بحكم احتوائه على الهواء و ذلك يختلف عن بقية الطبقات الأيونية.
عند الطبقة E أيضاً هناك نسبة من التوهين وهي أيضاً تقوم بعكس الموجات نحو الأرض وهذه الموجات التي يعكسها الغلاف الأيوني تدعى موجات سماوية sky wave و هي تقدم ميزة فريدة فموجة تنطلق نحو السماء ثم تنعكس ستصل إلى مسافات بعيدة جداً لن تغطيها الطريقة التقليدية و تسمى المسافة skip distance.
الشكل 4: صورة توضح كيفية جعل الطبقة الأيونية العالية عاكسة للإشارات الراديوية و بالتالي تقطع مسافة طويلة[4].
بشكل عام فإن الموجات ذات التردد الأقل عند 2MHz ترتد عند الطبقة الأدنى D والتي عند 15MHz عند E، أما الموجات حول 30MHz فإنها ترتد عند الطبقة العُليا F، أما الموجات الأعلى تردداً من 30MHz من ذلك فإنها تخترق المجال الجوي مغادرة الأرض نحو الفضاء، لهذا مثلاً كل تطبيقات البث الفضائي و بقية استخدامات الأقمار الصناعية يخصص لها ترددات أكبر من 30MHz.
الشكل 5: صورة تُظهِر سلوك الموجات الراديوية عامةً مع طبقات غلاف الجو بحسب تردداتها و تظهر أن الموجات فوق 30MHz و أعلى هي التي تستطيع اختراق الغلاف الجوي[5].
من إحدى التطبيقات المهمة التي تستعمل الأغلفة الأيونية في الغلاف الجوي الرادارت بعيدة المدى، و تستخدم بعض أنظمة الرادار الطبقات الأيونية لزيادة مدى الرادار خاصة للتنبيه المبكر عن الصواريخ الباليستية وتسمى هذه الأنواع من الرادارات ” رادار ما بعد الأفق” Over-the-horizon radar.
الشكل 6: صورة توضح كيفية عمل رادار ما بعد الأفق الذي يستفيد من الطبقة الأيونية[6].
أيضاً مما يشاهد ما يقوله الأولون عن ظاهرة الاستماع لمذياع AM ليلاً لبعض القنوات البعيدة كإذاعة مصر و أم كلثوم و إذاعة لندن؛ يعود السبب في ذلك لأن التردد المخصص لـAM يكون ما بين 0.5MHz إلى 1.5MHz، لذلك كما أوضحنا فإن الطبقة الأيونية تعكس الموجات الراديوية الساقطة عليها على الأرض في مكان آخر و مع عدم وجود تنظيمات تحد من القدرة المرسلة آنذاك تصل المحطات إلى أماكن بعيدة جداً.
بالنسبة إلى البث الإذاعي بتقنية التردد FM فيخصص له ترددات ما بين 88MHz إلى 108MHz مما يعني أن الإشارات تضمحل في الغلاف الجوي أو تخترقه عابرة إلى الفضاء الفسيح ولا ترتد أبداً؛ و هذا من الأسباب التي دفعت إلى سن تشريعات تقوم بحد القدرة المستخدمة لمثل هذه المحطات عالمياً و الولايات المتحدة الأمريكية لها السبق في ذلك، فمحطة في أقصى الشرق الأمريكي ليلاً بإمكانها أن تشوش على محطة في أقصى الغرب فيما لو كانت القدرة التي ترسل بها عالية جداً.