كثر الحديث في الآونة الأخيرة وفي أدبيات الطاقة المتجددة عن الهيدروجين والآفاق الواعدة لاستخدامه، ورغم أن الهيدروجين عديم الرائحة كما هو معروف إلا أننا بدأنا نسمع عن هيدروجين أزرق وآخر أخضر وألوان أخرى وتسبب ذلك بتشويش مفاهيمنا عن هذا الغاز، وهذه المقالة محاولة متواضعة لتوضيح ذلك.
في البداية ينبغي أن نشير إلى حقيقة وهي أن الهيدروجين هو أكثر المواد وفرة في الطبيعة، ولكنه لا يوجد بشكل منفرد لذا يجب فصله أو إنتاجه من مركبات أُخرى، ولذلك لا يعد “مصدر” مستقل للطاقة بل هو حامل (ناقل Carrier) للطاقة مع قدرته على تخزين كمية كبيرة منها لفترات طويلة وبتكلفة أقل من الكهرباء[i]، لذا فإنه يمكن أن يلعب دورًا مهمًا كحامل أو ناقل للطاقة المستدامة.
ومعظم إنتاج الهيدروجين في العالم يتم عن طريق عملية صناعية تدعى (إعادة تشكيل الميثان بالبخار) Steam Methane Reforming (SMR) حيث يتم تفاعل بخار الماء بدرجة حرارة عالية وضغط كبير مع غاز الميثان فينتج عن ذلك غاز الهيدروجين مع أول أوكسيد الكربون وكمية من ثاني أوكسيد الكاربون[ii]، فلو تم إطلاق غاز الكاربون إلى الغلاف الجوي فيدعى آنذاك الهيدروجين الناتج بــ “الرمادي” وهذه الطريقة تتسبب بتلويث البيئة بشدة؛ لأنها تولد أكثر من 9 كيلوغرام من أكاسيد الكربون لكل كيلوغرام من الهيدروجين المنتج، أما إذا تم التقاط غازات الكاربون هذه من الغلاف الجوي واحتجازها وتخزينها جيولوجياً بعملية تسمى Carbon Capture, Usage and Storage (CCUS) فإنه غاز الهيدروجين المتولد آنذاك يدعى بالهيدروجين “الأزرق” وفي لوائح الأتحاد الأوروبي يعتبر هذا الهيدروجين من أصل هيدروكربوني لكن تم احتجاز الكاربون فيه.
وكلنا يعلم بأنه يمكننا توليد الهيدروجين بالتحليل الكهربائي للماء فينتج الأوكسجين على أحد القطبين والهيدروجين على القطب الآخر، وإذا كانت الكهرباء المستخدمة في عملية التحليل قد جاءت من مصدر متجدد للطاقة أي طاقة نظيفة كطاقة الشمس أو الرياح عند ذاك يسمى بالهيدروجين “الأخضر” أو “الصفر الكاربوني”؛ لأنه لا ينتج عن عملية التحليل الكهربائي نفسها أي بصمة كاربون ولا الكهرباء التي استخدمت لعمل التحليل الكهربائي قد تسببت في انبعاث الكاربون.
أما لو نتج الهيدروجين من الانحلال الحراري للميثان من الغاز الطبيعي بخطوة واحدة فيسمى آنذاك بالهيدروجين “الفيروزي” (تركواز Turquoise)، حيث يتولد الهيدروجين ويتخلف الكاربون الصلب كمنتج ثانوي.
في حين أن الانحلال الحراري للميثان من الكتلة الحيوية هو عملية قذرة نسبيًا من وجهة نظر بيئية، أما لو اضطررنا لإنتاج الهيدروجين بتغويز Syngas الفحم فيدعى الناتج من هذا عملية بالهيدروجين “الأسود”[iii]، وبذلك نعلم بأن ألوان الهيدروجين هي للتذكير بمصدره أو بآثاره على البيئة.
يعتبر الهيدروجين كوقود نظيف وعند استخدامه في البطاريات فإنه يولد الكهرباء وينجم عن ذلك الحرارة والماء فقط وبهذا الوصف يمكن أن تلعب خلايا الهيدروجين دوراً كبيراً في الطاقة على مستوى الدولة ككل وفي معظم القطاعات، وذلك من خلال تطبيقات واسعة ومهمة وأساسية، مثل: النقل، التجارية، الصناعية، السكنية، وتطبيقات متنوعة بما في ذلك توزيع الحرارة والقوة، الطاقة الاحتياطية، أنظمة تخزين وتمكين الطاقة المتجددة، الكهربائية المحمولة مثل: الطاقة المساعدة للشاحنات، الطائرات، القطارات، المترو، والسفن، كذلك في المركبات المتخصصة مثل الرافعات الشوكية، سيارات الركاب، الشاحنات، والحافلات.[iv]
المراجع:
[i] F. Pflugmann, N. De Blasio; “Geopolitical and Market Implications of Renewable Hydrogen New Dependencies in a Low-Carbon Energy World. Environment and Natural Resources Program Belfer Center for Science and International Affairs”, Harvard Kennedy School. Report 2020.
[ii] https://en.wikipedia.org/wiki/Steam_reforming
[iii] Cornelius Matthes; Valeria Aruffo; Louis Retby-Pradeau, “The Risks and Opportunities of Green Hydrogen Production and Export from MENA Region to Europe”, IRENA, November 2020
[iv] Sunita Satyapal; “Hydrogen: A Clean, Flexible Energy Carrier”, Office of Energy Efficiency & Renewable Energy, FEB. 21, 2017
https://www.energy.gov/eere/articles/hydrogen-clean-flexible-energy-carrier