تخطى إلى المحتوى

النفايات الإلكترونية: خطر يجب التعريف به والتحذير منه

تمثل بعض الأجهزة والمعدات الكهربائية والإلكترونية بعد استخدامها وانقضاء عمرها التشغيلي مخلفات ونفايات إلكترونية، بحيث يتم التفكير في كيفية إزالتها والتخلص منها إذ قد تشكل أضرار ومخاطر على صحة الإنسان وسلامة البيئة وبقاء الكائنات الحية الأخرى؛ نظرًا لاحتواء الكثير من تلك الأجهزة والمعدات على مكونات سُمّية ومواد مُشعَّة ذات علاقة بأمراض خطرة وخبيثة ومميتة.

إن جمْع تلك الأجهزة إما لإعادة تصنيعها مرة أخرى، أو الاستفادة من بعض قطعها ومكوناتها، أو التخلص منها يعتبر أسلوب مُنظَّم متبع لدى الكثير من دول العالم، منها على سبيل المثال:السويد، والدنمارك، وألمانيا، وهولندا، وأستراليا، واليابان.

ويمكن تعريف النفايات الإلكترونية على أنها: “تلك المخلفات المتمثلة في أجهزة الحاسوب، وأجهزة المكاتب الإلكترونية، وأجهزة الإتصالات كالهواتف الخلوية (الجوالات)، وأجهزة الترفيه كاالفيديو والتلفزيون وألعاب الأطفال، كذلك مخلفات المعدات مثل الغسالات، والبرادات، والثلاجات في موادها العازلة، والمكيفات في غازاتها التبريدية، والشاشات في موادها المُشِعَّة” بحيث أصبح أهم هاجس مقلق للدول المُصنِعة لتلك الأجهزة أو المستهلكة لها هو كيفية التخلص منها بأمان وسلام، إما بإعادة تصنيعها كاملة أو قطع منها أو التخلص منها بشكل صحي وآمن للإنسان وللكائنات الحيَّة الأخرى، كما أن الحكومات والهيئات التشريعية في معظم الدول تسعى إلى تشجيع عملية تدوير تصنيعها والاستفادة منها وليس للتخلص منها فحسب، وفي هذا السياق يمكن استعراض عام لماهية المشكلة، ومفاهيمها، وأبعادها، وتعريفاتها، كما يمكن تبيان الأجهزة الكهربائية والإلكترونية التي يدخل في تصنيعها ومحتوياتها مواد سُمِّيَّة ذات مخاطر محتملة على صحة الإنسان وسلامة البيئة وكافة الكائنات الحيَّة، كما يلزم أيضًا توعية المستهلك (المستخدم لتلك الأجهزة) بالمخاطر المحتملة المصاحبة لتلك الأنواع من الأجهزة إلى جانب الكيفية التي يتم بواسطتها التعامل مع تلك الأجهزة المحتوية على مواد سُمّيَّة خطرة بعد انقضاء عمرها التشغيلي وانتفاء الحاجة لها، والتي تعتمد على الأساليب والطرق الآمنة المتبعة للتخلص الآمن من مخلفات ونفايات تلك الأجهزة مع استعراض لإمكانية تدوير تلك الأجهزة وإعادة تصنيعها مرة أخرى والمزايا الاقتصادية المتحققة جرَّاء ذلك.

للنفايات الإلكترونية اثارٌ سلبية محسوسة على البيئة، حيث تتراكم المعادن والبلاستيك والمواد الكيماوية السَّامة التي تحتويها بعض الأجهزة الإلكترونية كالوحات الدوائر الكهربائية، وأنابيب الزجاج، ومصابيح اللد، والأسلاك، والمقاومات، والمكثفات وغيرها من الأجهزة الداخلية الدقيقة، وأن اكثر من 70% من المعادن الثقيلة بما فيها الزئبق، والكادميوم، والقصدير، التي تتواجد في مكبات النفايات تعمل على تلويث المياه الجوفية، وعند حرق هذه النفايات الشديدة السُّمّية تنتج غازات مثل: غازات أكاسيد الكربون، وأكاسيد الحديد، والنحاس الثنائية، وأكاسيد العناصر الثقيلة وغيرها مما يؤدي الى تلوث الهواء، وعند تعرُض هذه الغازات الى الرطوبة تُكوِن أمطارًا حمضية تسبب تلوثاً للبيئة ومكوناتها المختلفة، وكما تمت الإشارة إليه فإن المتأثر الأول من النفايات الإلكترونية هو الإنسان ثم تأتي العناصر الاخرى في البيئة (الهواء، الماء، التربة، النبات)، ومن أجل تفادي تلك الآثار السلبية الناتجة عن النفايات الإلكترونية، فإن إعادة تدوير هذه النفايات هو علاج اقتصادي مثالي حيث يمر بمراحل متفاوتة تتمثل بالتفكيك، والفرز، وإعادة الصهر، والحرق وغيرها، بحيث تتم هذه العمليات بصورة مدروسة ومنظمة وسليمة وآمنة بحيث لا تشكل مخاطر إضافية على العاملين والقائمين على تنفيذ إعادة التدوير لهذه النفايات، نظرًا لما تحتويه من سموم خطرة ذات آثار صحية مميتة بسبب تلوث الهواء والماء والتربة والنبات.

ويمكن الإشارة هنا إلى بعض تلك العناصر السُميَّة التي تحتويها تلك النفايات الإلكترونية والمخاطر الناجمة منها، والتي منها على سبيل المثال:

الباريوم: مادة تستخدم في الحواسب الآلية للوقاية من الإشعاعات المنبعثة منها، وأن التعرض للباريوم لفترات طويلة قد يؤدي إلى أورام في المخ، وضعف في عضلات الجسم، كما يعمل على إصابة القلب، والكبد، والطحال بامراض مزمنة.

الكروم: يستخدم في الحواسب ويخترق الخلايا بسهولة ويعمل على تحطيم الحامض النووي، ويعد من أكثر العناصر تهديدًا للبيئة وتزن الأدوات البلاستيكية التي تحتوي على عنصر الكروم نحو 13.8 رطلاً في الحاسوب، و 26% من هذه المواد البلاستيكية تحتوي على مركب (PVC) متعدد كلوريد الفنيل.

الأحبار: تحتوي الطابعات الإلكترونية على معادن ثقيلة وعلى حاويات بلاستيكية مليئة بالاحبار الملونة والسوداء، وتتكون هذه الأحبار من أخطر العناصر الكربونية المسببة لأمراض الجهاز التنفسي والسرطان.

الفسفور: وهو مكونات عضوية كيميائية ذات تأثيرات سُميَّة موجودة في ألواح الفسفور التي تستخدم في صناعة زجاج من نوعٍ خاص لمصابيح بخار الصوديوم.

الرصاص: يدخل في صناعة الأجهزة الإلكترونية وله تأثيرات مباشرة وخطيرة على الجهاز العصبي والدورة الدموية والكلى وجهاز المناعة لدى الجسم البشري، فضلا عن أثره السلبي على النمو العقلي للأطفال، ويتركز الرصاص في الأجهزة الالكترونية على كل من لوحات التحكم، والشاشات، وبطاريات الحاسوب، ولوحات الطابعات.

الزئبق: يدخل في صناعة مصابيح الفلورسنت المدمجة ومصابيح اللد، ومن خلال الأشعة فوق البنفسجية المنبعثة من المادة الفوسفورية المبطنة لتلك المصابيح فإن التعرض لها يسبب آثارًا ضارة كالحروق التي تسببها أشعة الشمس القوية، إلى جانب الشيخوخة المبكرة، وسرطان الجلد، بالإضافة إلى الأضرار التي تسببها على المدى القصير مثل الطفح الجلدي واضطراب المناعة الذاتية، مما يؤثر على خلايا النسيج الجلدي والتركيب الخلوي للمفاصل والأعضاء الداخلية لجسم الإنسان.

وإذا كانت النفايات الإلكترونية تشكل نوعًا من أنواع التلوث البيئي والذي يطلق عليه (الخط المخفي) فإن التلوث الناتج من مخلفات المصانع كالمواد الصلبة، او السائلة، او الغازية السامة المنبعثة منها والتي يطلق عليها (الخط الظاهر)، لأنه يمكن تحديد تلوثها من خلال الرؤية، أو الرائحة، أو الأثر، أو التحلل، بيد أن الأسوأ تأثيرًا والأشد خطورة والتي لا يمكن تحديد خطرها هي النفايات الإلكترونية، أي تلك المخلفات التي تتكون جراء تخلص المستهلك من الأجهزة والمعدات الكهربائية بعد انقضاء عمرها التشغيلي، أما من حيث تنظيم التخلص من مخلفات النفايات لتلك الأجهزة والمعدات فهو أولا تشجيع الاستثمار فيها وحث الشركات المُصنِعة على إمكانية إعادة تدويرها وتصنيعها، وإذا لم يكن ثمَّة إمكانية متاحة لذلك فعندئذ يتم جمعها وطحنها تمهيدًا لنقلها بشكل آمن، حيث تدفن في مدافن خاصة للنفايات الخطرة والسامة حيث يخشى أنه لو وضعت في أماكن النفايات العادية (المكبَّات) حدوث تلوثا لمصادر المياه الجوفية، والأنهار، والأسماك بتلك العناصر السُّمية المميتة المذكورة آنفا والتي تتراكم في الأجسام تدريجيا، وفي المنزل عندما تتعرض مصابيح الفلورسنت للكسر فعلى صاحب المنزل أن يفصل مخلفات هذه المصابيح عن المخلفات الأخرى، وذلك بوضعها في لفافة خاصة ومحكمة تمهيدًا لإبعادها والتخلص منها بأسلوب صحي سليم، ويجب الحذر في التعامل مع تلك المخلفات بحرص شديد، وألا تستخدم “المكنسة الكهربائية” في جمع حطام الزجاج حتى لا يتطاير الرذاذ ويصيب من كان في المسكن بل يجب إرتداء كمامة وقفاز في اليدين لكي لاتتعرضا للتلوث ويتم تجميع الحطام بحيث لا يتناثر أي جزء منه في المكان.

وفي الختام  يُقترح أن يقوم تعاون متبادل بين كليات الطب، والصيدلة، والهندسة بجامعاتنا من جهة وبين الجهات المعنية في وزارات الطاقة، والصحة، والبيئة، والزراعة، والصناعة لعمل ورش علمية، والقيام بتجارب معملية وإكلينيكية في مثل هذا المجال للتحقق – من أجل التعريف والتوعية – من بعض الشواهد والظواهر المرئية والخفية، مما يدخل في مكونات صناعاتنا ومعداتنا وأجهزتنا من عناصر ومواد ذات خصائص سامة أو مضرة بالصحة والسلامة قد لا ندرك كنهها أو نعي حقيقتها. وبالله التوفيق.

 

 

 

كاتب

  • أ. د. عبد الله محمد الشعلان

    أستاذ الهندسة الكهربائية بقسم الهندسة الكهربائية، جامعة الملك سعود تخصص دقيق هندسة القوى الكهربائية، يدخل في التخصص بعض الاهتمامات مثل تخطيط الأنظمة الكهربائية، التمديدات الكهربائية، ترشيد الطاقة الكهربائية، السلامة الكهربائية، استراتيجيات إدارة الأحمال الكهربائية، الطاقات المتجددة، تحسين أداء وتقليل تكاليف الأنظمة الكهربائية، ربط الأنظمة الكهربائية، السيارات الكهربائية، المواصفات القياسية السعودية ذات العلاقة بالكهرباء، مخاطر الإشعاعات الكهرمغناطيسية المنبعثة من خطوط الجهد العالي والأجهزة والمعدات الكهربائية.