تواجه الشبكات الكهربائية في العديد من الدول تحديات تتعلق بمرونة الشبكة والتغيرات التي تطرأ بسبب ظواهر ما يعرف بالتغير المناخي والتحول من الاعتماد على الوقود الأحفوري بالتوجه نحو توليد الطاقة المتجددة كمصدر نظيف للطاقة، و يتجلى هذا التحول واضحاً حين نشير إلى الأحداث الأخيرة في الولايات المتحدة والتي أظهرت أنها تتطلب بنية تحتية إضافية لشبكات النقل لدمج مصادر الطاقة المتجددة الجديدة واستيعابها لضرورة تحقيق مبدأ التوافقية والانسجام بشكل أفضل بين المشغلين المختلفين للمواءمة بين حجم الإنتاج والطلب، إضافة إلى ذلك تبين أنه يجب أن تتمحور قضية الاستثمار في الشبكات الكهربائية حول مبدأ تسهيل عملية التبادل المحلي والإقليمي _وربما الدولي_ بين مشغلي الطاقة الكهربائية لاسيما عندما تكون أنظمة الطاقة تحت الضغط.
تعتبر حادثة تكساس الشهيرة في الولايات المتحدة الأمريكية بمثابة التجربة العملية القاسية والتي استفاد منها خبراء الطاقة والهيئات التنظيمية لبيان ضرورة الاستثمار في الشبكات الكهربائية وخاصة قلبها النابض “شبكات النقل”، وفي عصرنا الحديث حيث الثورة الصناعية الرابعة والتنافس المثير في مجال الطاقة لوحظ أن معظم الدول المتقدمة في مجال الكهرباء أرعت اهتماماً بالغاً في مجالات مختلفة لا تتعلق بالطاقة الكهربائية بشكل جوهري، حيث أنها أوجبت على الشركات ضرورة الاستثمار وبشكل كبير في البُنى التحتية في قطاعات التشييد والعمران كالجسور والطرق والمطارات ومجال الاتصالات وغيرها، و يرحب المواطن بهذه المبادرات والاستثمارات التي تسهم في رفع جودة الحياة، ولكن يجب أيضًا أن نرى مبادرات حقيقية للاستثمار وبشكل كبير في تطوير شبكات النقل والتوزيع الكهربائية لتلبية حجم الاستهلاك والاحتياج لدمج مصادر الطاقة المتجددة على المدى القريب والبعيد، وفي نفس الوقت يتبنى هذا المبدأ الوصول لأهداف تقليل الكربون والاستدامة البيئية التي هي محط أنظار العالم أجمع.
تعتبر خطوط نقل الكهرباء رابط الاتزان الحاسم الذي يربط ما بين قطبي العرض والطلب في استهلاك الطاقة، فهي كمثل الطرق السريعة ما بين المدن التجارية المستخدمة بشكل استراتيجي لنقل البضائع التجارية وبالتالي تعتبر عامل مؤثر وأساسي لتأسيس مبدأ الاستدامة، فمن المعروف أن العوامل المؤثرة على خطوط النقل تشمل العوامل البيئية وتغيرات المناخ الغير عادية.
عوامل الطقس والبيئة المؤثرة على الشبكة وأدائها:
لنتذكر حادثة كاليفورنيا الشهيرة الواقعة خلال شهر أغسطس 2020 والتي أدى ارتفاع الطلب على الكهرباء خلال موجة الحر التاريخية إلى إجبار المشغل المستقل في كاليفورنيا (CAISO) على بدء عملية قطع التيار الكهربائي (Load Shedding) والذي أدى إلى إيقاف تشغيل الأحمال خاصة الحيوية والمهمة منها مثل أجهزة التكييف لما يقدر بنحو 800 ألف عميل، و بعد ستة أشهر من هذه الحادثة حدثت كارثة التجمد الشديد في ولاية تكساس _التي أشرنا لها سابقاً_ حيث انهار النظام الكهربائي بشكل كامل مخلفاً عواقب كارثية حيث بلغ عدد الوفيات أكثر من 100 شخص، بعدها بأشهر قليلة ومع دخول فصل الصيف بعام 2021م في أمريكا الشمالية نشبت حرائق الغابات التاريخية المصاحبة لموجات الحرارة العالية ونتج عنها انعدام أصول الشبكة الكهربائية ومعداتها مخلفةً ارتفاع كبير في الطلب على الكهرباء مما أجبر مشغلي الشبكة على إعلان حالة الطوارئ في مناطق متعددة.
- من هذه المشاهدات نستنتج أنه ومع ازدياد وتيرة وقوة الظواهر الجوية والبيئية الحادة تتضاعف تحديات المرونة والاعتمادية التي تواجه الشبكة الكهربائية.
أثر الاستثمار في شبكات نقل وتوزيع الطاقة الكهربائية على تقليل نسبة الكربون (Decarbonization):
تجاوز حجم الاستثمار في البنى التحتية في شبكات نقل وتوزيع الطاقة الكهربائية 450 مليار دولار للشركات الأمريكية ما بين 2010 و 2020 _الشكل أدناه_، تركز الاستثمار بشكل أساسي على توليد الطاقة المتجددة التي غالبًا ما تقع في مناطق نائية ومن شبه المؤكد أن مثل هذا المستوى من الإنفاق الضخم بالقدر الذي قد يبدو عليه ليس كافياً.
المصدر: Hitachi ABB Power Grids
فقد أظهرت حالات الطوارئ المتعلقة بالطاقة في السنوات القليلة الماضية أن زيادة تبادل الطاقة بين الشركات المشغلة والجهات التنظيمية لإمدادات الطاقة الكهربائية يحسن من مرونة واعتمادية الشبكة، فإن لم يكن كذلك حصل ما لم تحمد عقباه كما استعرضنا في حادثة كاليفورنيا وتيكساس وكندا، فما أن يتم تأخير أو رفض العديد من مشاريع النقل الكبيرة بين المشغلين والمنظمين على المستوى المحلي أو الإقليمي بل والدولي إلا وينتج عن ذلك إقصاء لكفاءة الشبكة لاسيما على المدى البعيد، نشير في هذا الجانب إلى الدروس المستفادة والشواهد التالية _حالية ومستقبلية_ والتي تحد من العواقب الكارثية لانقطاع الكهرباء كما حصل في تيكساس وكاليفورنيا وكندا:
- كسوق مستقل للكهرباء يتمتع مجلس موثوقية الكهرباء في تكساس (ERCOT) بقدرة محدودة على استيراد أو تصدير الطاقة إلى المناطق المختلفة المجاورة (الشرقية والغربية للولاية)، حيث كان من الممكن أن تساعد القدرة الأكبر على نقل الطاقة في توفير الطاقة الكهربائية اللازمة لسد حاجة الشبكة في تكساس والمناطق الأخرى التي تأثرت بسبب توقف محطات الطاقة المحلية وبسبب درجات الحرارة المتدنية بشكل غير متوقع في فبراير الماضي.
- يوفر خط النقل الشمالي في الولايات المتحدة الأمريكية (500 كيلو فولت بطول 224 ميلًا)، والذي يستخدم مكثفات متقدمة توفرها Hitachi ABB Power Grids طاقة منخفضة التكلفة وخالية من الانبعاثات من مانيتوبا إلى مينيسوتا، يعد هذا المشروع أمرًا بالغ الأهمية بالنسبة لشركة Minnesota Power للوفاء بخططها للحد من الكربون.
- توجد فرص إضافية لاستيراد الطاقة الكهرومائية الكندية إلى الولايات المتحدة الأمريكية للمساعدة في الحد من انبعاثات الكربون مع إمكانية توريد طاقة الرياح والطاقة الشمسية شمالًا لإنشاء سوق طاقة أكثر مرونة على مستوى القارة الأمريكية.
- تقوم كندا أيضًا بأعمال تطوير لشبكة النقل الخاصة بها للحصول على مزيد من التسهيلات لتبادل الطاقة على المستوى الإقليمية والدولي.
- توجد أيضاً شواهد كثيرة لمشاريع ناجحة مماثلة في أوروبا، مثل: NordLink Connector والتي تقدم نموذجًا لكيفية إنشاء هيكل أكبر وأكثر مرونة لمشاركة الكهرباء على مستوى المنطقة والقارة ليخدم مبدأ الاستدامة في الطاقة وتقليل انبعاثات الكربون.
- نشيد أيضاً بشبكة الربط الخليجي ودورها الفعال لتحقيق مبدأ الاستدامة والتكامل في مجال نقل الطاقة الكهربائية بين الدول على مستوى الخليج العربي، كما شهدنا مؤخراً إبرام مشاريع ربط على المستوى الإقليمي والقاري بين المملكة والعراق والأردن وصولاً إلى مصر والتي ستدخل حيز التنفيذ قريباً إن شاء الله.