تخطى إلى المحتوى

الأمن الصناعي والسلامة المهنية في بيئة العمــل: الوقاية أفضل من العــلاج

مقدمة

يقول الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم: “ولَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ  ﴿البقرة: ١٩٥﴾”، وقوله عز وجل: “وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ﴿النساء: 29﴾”، ومن هذه الآيات الكريمة نجد أن حياة الإنسان هي أغلى ما في الوجود، وفي وقتنا الحاضر نشهد مبتكرات تقنية مذهلة وتطورات فنية متسارعة في شتى المجالات الصناعية والقطاعات المهنية وهي وإن كانت مفيدة وذات منافع جمَّة للإنسان في جعل حياته أكثر راحة ورغداً ويسراً بيد أنها في الوقت ذاته أفرزت الكثير من المخاطر التي ينبغي على الإنسان إدراكها ومعرفتها وتوخي الحذر وأخذ الحيطة من الوقوع في  مسبباتها وكوارثها، والكل منا بالطبع يتمنى أن لا يصاب بحادث قد يفقده التمتع بما منّ الله به عليه من صحة وعافية وسلامة أعضاء وحواس، فقد يصاب الإنسان بسبب اللامبالاة أو الإهمال ولو للحظات قليلة ما يجعله يتألم ويعاني لفترات طويلة قد تصل إلى نهاية العمر، وأماكن العمل الصناعية من مصانع وورش ومعامل ومختبرات تعتبر بيئات عمل غير طبيعية، من حيث: درجات الحرارة العالية، والآلات المتحركة، والأجهزة الحساسة، والمواد الخانقة، والغازات السامة إلى غير ذلك.

والأمن الصناعي والسلامة المهنية مسؤولية كل فرد في موقع عمله بل ومرتبطة أيضاً بعلاقته مع من حوله كالأشخاص والآلات والأدوات والمواد وطرق التشغيل وغيرها، فالأمن والسلامة مجموعة من الإجراءات والاحتياطات والإرشادات تهدف إلى منع وقوع الحوادث وإصابات العمل وهي لاتقل عن أهمية الإنتاج ونوعيته وجودته والتكاليف المتعلقة به، إذاً فالهدف من الأمن الصناعي هو إنتاج يخلو من حوادث وإصابات حيث يهم المؤسسة الصناعية أن يظل العاملون بها غير معرضين لأي خطر من أخطار العمل لأن حياة الإنسان هي أسمى غاية في هذا الوجود، والإنسان المنتج إنما هو بذاته محور لاهتمامات كل المجتمعات في كل زمان ومكان يجب حمايته والعناية به والمحافظة عليه، لذا أصبح الأمن الصناعي مجموعة أنظمة وقوانين يتحتم على الإدارة تطبيقها وعدم السماح للعاملين بتجاوزها وعلى العاملين معرفتها وتطبيقها والتقيد بها، كما يجب أن يكون هناك تدريب جيد وتحت إشراف دقيق للعاملين على هذه الأنظمة حتى يمكن تلافي العديد من الإصابات والوفيات التي قد تحدث للعمال في بيئات العمل المهنية المختلفة، وفيما يلي نستعرض معك أيها القارىء الكريم بعضاً من أوجه المخاطر التي قد يتعرض لها العاملون في بيئات العمل الصناعية وما هي احتياطات السلامة الواجب مراعاتها واتباعها والالتزام بها لضمان سلامة وصحة العاملين في كافة مجالاتها، ومنها:

◊ مخاطر الأجواء المحيطة:

هي تلك المخاطر التي يتعرض لها العاملون نتيجة العمل في أجواء محيطة غير ملائمة تُمليها ظروف العمل وطبيعته، مثل: ارتفاع درجة الحرارة نتيجة العمل في العراء تحت وهج أشعة الشمس الحارة، أو تحت الأرض في المناجم والأنفاق، أو بجوار المواقد والغلايات وأفران الصهر والسبك، كذلك العاملون في بيئات ذات درجات حرارة منخفضة مثل الثلاجات ومصانع الثلج ومخازن تبريد الأطعمة، كذلك العاملون في المستشفيات وبخاصة أولئك المتعاملون مع أجهزة الأشعة السينية والموجات المقطعية والمتأينة والطب النووي، كذلك العاملون في مصانع البتروكيماويات ذات الغازات السامة والأبخرة الخانقة والمواد القابلة للاشتعال أو الانفجار، كذلك العاملون في المطارات حيث ارتفاع مستويات الضوضاء والضجيج المخلة بالسمع، كذلك العاملون في بيئات غبارية كمصانع الأسمنت والجبس، كذلك العاملون في بيئات ذات تأثيرات غير مرغوبة كمصانع الأسمدة ومحطات الصرف الصحي وتدوير النفايات.

وإذا أدركنا مدى الإرهاق والعنت والإجهاد الذي سينال من تلك الفئات العاملة من جراء قسوة تلك البيئات القاسية المذكورة آنفا فإنه يلزم الجهات المسؤولة والمعنية توفير كافة الوسائل والإمكانات التي تكفل راحة العامل في تلك البيئات وتضمن بقاءه في العمل ومواصلة الإنتاج بكل يسر وكفاءة، ومنها ما يلي:

  • توعية العاملين بالمخاطر الموجودة في بيئة العمل وكيفية تجنبها والوقاية منها.
  • توفير كافة وسائل السلامة المهنية في أماكن العمل بما يكفـل وقاية العاملين وحمايتهم من المخاطر التي ربما تؤثر على سلامتهم وصحتهم نتيجة تعرضهم لعوامل محتملة ذات خطر وضرر.
  • توفير أجهزة قياس المخاطر الطبيعية المتوقعة في بيئة العمل تبعاً لنوع النشاط الصناعي المزاول، وإجراء القياسات الدورية اللازمة وتسجيلها ومقارنتها بصفة دورية للتأكد من أنها في الحدود الدنيا المسموح بها.
  • إجراء الفحوصات الطبية الدورية على كل عامل يلتحق بعمل يمكن أن يتعرض من خلاله للمخاطر الطبيعية واكتشاف أية حالة مرضية ظاهرة أو كامنة تؤثر على العامـل عند تعرضه لنوع المؤثر، ويحتفظ بنتيجة الكشف الطبي بملف العامل لمقارنتها بنتائج الفحوص الطبية اللاحقة.
  • العمل على توعية العاملين في المنشأة وتثقيفهم الوقائي بجميع الطرق الممكنة من: توزيع نشرات، أو إلقاء محاضرات، أو تنظيم ندوات، أو تعليق ملصقات على الجدران.
  • التشديد على العاملين بارتداء وسائط الحماية كالقفازات العازلة والخوذات والأقنعة الواقية وضرورة فحصها والتأكد من سلامتها وجودتها قبل استخدامها.
  • يجب أن تكون التهوية والإضاءة داخل أماكن العمل كافية ومناسبة سواءً كانت طبيعية أم صناعية، كما يتم منع أو تقليل الضوضاء ذات الخطورة على صحة العاملين، كذلك تأمين الاحتياطات الكفيلة بحماية العاملين من مخاطر المواد المشعة والإشعاعات المؤينة وتوفير وسائل القياس اللازمة لذلك والتأكد من أنها ضمن الحدود المعقولة والمسموح بها.
  • عندما تكون المنشأة كبيرة وتضم عدداً كبيراً من العمال فإنه يوصى لأن يكون فيها طبيب مقيم يتلقى حالات الطوارىء العاجلة، مثل: الضماد، وتجبير الكسور، وإيقاف النزيف ريثما يتم نقل المريض إلى المستشفى لتلقي العلاج إذا كانت حالته الصحية تستدعي ذلك.
  • تقوم الإدارة بتعيين مشرف على الأمن الصناعي والسلامة المهنية يكون مسؤولاً عن القيام بالتفتيش الدوري لاستكشاف مكامن الأخطار والأضرار، ويحقق في الحوادث التي تقع في المنشأة وتقصي أسباب الإصابات المهنية ويرفع تقريراً دورياً بذلك إلى المدير المسؤول في المنشأة.

◊ مخاطر الكهرباء:

لا يمكن أن تخلو بيئة عمل من وجود تمديدات وتركيبات كهربائية ومن استخدام أجهزة ومعدات كهربائية، حيث الحاجة الضرورية لها لتشغيل المكائن والآلات والمحركات والعمليات التشغيلية اللازمة لخطوط الإنتاج المتعددة في جميع فروع الصناعة، وعلى الرغم من مزايا وفوائد الكهرباء المعروفة والتي لا تخفى عن الجميع في معظم أوجه الحياة الإنسانية المعاصرة إلا أن لها في الوقت ذاته جانب آخر قاتم، يتمثل في: حوادث الصعق الكهربائي، ونشوب الحرائق، وعطب المعدات، وتلف الممتلكات ولهذا ازدادت الحاجة للشعور بالأمان من تلك المخاطر المحدقة والتي يمكن تفاديها والوقاية منها _بإذن الله_ لو أحسن المتعاملون مع الكهرباء تمديدات وتركيبات والتعامل مع الأجهزة والمعدات مراعاتها وتنفيذها من خلال تطبيق شروط سلامتها وتجنب مكامن أخطارها وتأمين وسائل التحكم بها والسيطرة عليها داخل المجمعات الصناعية والمنشآت المهنية، وفيما يلي سنذكر أهم متطلبات واشتراطات السلامة الواجب تبنيها والالتزام بها لتجنب مخاطر الكهرباء وكوارثها المحتملة في بيئات العمل المذكورة:

  • يجب أن تكون التمديدات والتركيبات الكهربائية في المنشأة سليمة ونظامية ومزودة بقواطع الدائرة التي تقي المستخدم عند إساءة الاستخدام، كما تحمي أيضاً تلك التجهيزات والتركيبات في المنشأة ضد زيادة التيار أو الجهد الكهربائيين.
  • لا يجوز صيانة أو إصلاح أي آلة كهربائية توقفت عن عملها بسبب عطلها وهي لا تزال موصلة للمصدر الكهربائي لأن هذه الآلة قد تكون ذاتها لا تزال مكهربة، لذلك يلزم أولاً فصل هذه الآلة عن المصدر ثم يُجرى بعد ذلك صيانتها وإصلاحها.
  • يجب أن تكون جميع المعدات والآلات التي تعمل بالكهرباء في المنشأة _المصنع أو الورشة_ مؤرضة تحسباً لحدوث تماس كهربائي بين الأجزاء المكهربة سواء في التمديدات أو في الآلات ذاتها عند تمزق أو تلاشي المواد العازلة لها،  ويعرف التأريض بأنه: توصيل هياكل وأجسام الآلات والمحركات والحواجز المانعة بسلك نحاسي ينتهي إلى قطب أرضي مغروس في الأرض ذي مقاومة ضعيفة بحيث يسمح بمرور التيار الكهربائي إلى الأرض عند حدوث تماس كهربائي أو عطب في الآلات والمعدات الكهربائية.
  • عدم القيام بتحميل المآخذ الكهربائية _المقابس المثبتة في الجدار_ بأكثر مما تتحمله تلك المآخذ حتى لا تتجاوز قيمة التيار المقنن المصممة له الأمر الذي بسببه ينصهر المقبس أو يشتعل.
  • للحماية ضد الجهود الفولتية العالية الناشئة من الصواعق البرقية أثناء نزول الأمطار يجب تركيب ما يعرف بـ “مانعات الصواعق” لحماية المنشأة ومن فيها، حيث يتم توجيه سريان التيار الكهربائي العالي _والذي يصل إلى آلاف الأمبيرات_ القادم من السحابة إلى الأرض مباشرة من خلال مانعة الصواعق متجنباً مروره من خلال تركيبات المنشأة.

إن الهدف من تلك المتطلبات والاشتراطات هو توفير وضمان الحد الأدنى من المعايير للحفاظ على سلامة وصحة العاملين في بيئات أعمالهم، وكذلك الحفاظ على تلك المنشآت الصناعية ومحتوياتها من الحريق والتلف الذي ربما ينشأ من سوء التركيبات الكهربائية أو استخدام معدات كهربائية غير مطابقة للمواصفات القياسية السعودية فتكون عرضة لمخاطر الحريق، ولقد تم تضمين هذه المتطلبات والاشتراطات في الجزء الرابع الخاص بالسلامة الكهربائية في كود البناء السعودي والذي ركز على أهمية التصميم المناسب والتركيبات السليمة والاستخدام الأمثل للتمديدات والتركيبات الكهربائية وتشغيل وصيانة الأجهزة والمعدات في المنشآت السكنية والتجارية والصناعية والحكومية في المملكة العربية السعودية.

◊ مخاطر الحريق:

تنشأ الحرائق عادة بسبب الإهمال في اتباع طرق الوقاية والجهل بتعليمات السلامة المهنية ضد الحرائق وإذا لم يبادر بإخمادها في مهدها فإنها تنتشر بشكل متسارع مخلفة وراءها مخاطر فادحة وخسائر باهظة في الأرواح والمعدات والممتلكات،  ومما يساعد في اشتعالها وربما صعوبة السيطرة عليها في الوقت المناسب هو تواجد مواد قابلة للاشتعال أو الانفجار في مكان اشتعال الحريق أو بقربه، لذلك يجب اتخاذ كافة التدابير الوقائية من أخطار نشوب الحرائق بإزالة مسبباتها ومنع حدوثها أو تحقيق إمكانية السيطرة عليها في حالة نشوبها وإخمادها في أسرع وقت ممكن بأقل الخسائر وأدنى التكاليف، ويمكن تلخيص المخاطر التي قد تنتج عن الحريق فيما يلي:

  • المخاطر الشخصية:

وهي تلك المخاطر التي يتعرض لها الأفراد والتي ينتج عنها إصابات شخصية كالحروق أو الاختناقات مما يتطلب توفير وسائل الإنقاذ والإسعاف والنجاة والتأكد من عملها وجاهزيتها.

  • المخاطر التدميرية:

وهو ما تخلفه الحرائق من تدمير للمنشآت والمباني، وقد تختلف الشدة التدميرية للمبنى تبعاً لما يحتويه من: السكان، أو الأثاث، أو المواد القابلة للاشتعال، أو الانفجار إلى جانب ما يمثله المبنى ذاته من قيمة مادية، أو معنوية، أو تراثية.

  • المخاطر المحيطية:

هي تلك المخاطر التي تهدد الأماكن المجاورة والقريبة من محيط المكان الذي نشأ فيه الحريق وبخاصة إذا كان ثمة مواد قابلة للاشتعال والانفجار مما يساعد على انتشارها ووصول الحرارة وامتداد لهب الحريق إلى تلك الأماكن المجاورة، ولهذا فعند إنشاء مواقع خاصة تتسم بالخطورة، مثل: محطات الوقود، ومخازن المواد الكيماوية، أو الغازية، أو أية مواد قابلة للاشتعال أو الانفجار يراعى أن تكون بعيدة عن الأحياء السكنية المأهولة لتكون بمنأى عن مخاطرها المحتملة.

ولإزلة أسباب الحريق أو على الأقل التخفيف من الآثار الناجمة عنه يرى الأخذ بالتوصيات التالية:

  • تركيب أنظمة الإنذار من الحريق والتي تعمل عند ارتفاع درجة الحرارة عند حد معين أو عند استشعارها بوجود دخان في الوسط المحيط بها، والجدير بالذكر أن كثيراً من الدول المتقدمة تقوم بإلزام مواطنيها بتركيب مثل هذه الأنظمة في المنشآت وبيئات العمل لحماية الأشخاص والمعدات والممتلكات.
  • تركيب مانعات الصواعق وبخاصة في المباني العالية ووظيفتها اختزال الصاعقة البرقية الحاملة لشحنات كهربائية فائقة وتحويل مسارها نحو الأرض بدلاً من اختراقها للمبنى وتدميره، ولهذه المانعات أنواع متعددة وأشكال مختلفة تتباين في الحجم وكيفية التركيب، ولا بد من الرجوع للمتخصصين والفنيين المعنيين بتوريدها وتركيبها.
  • عند تخطيط المنشأة فلا بد من توفير مخارج آمنة للإخلاء والإجلاء للعاملين في المبنى في حالة حدوث انهيارات أو نشوب حرائق.
  • توفير وسائل لإطفاء الحريق في المنشأة وتدريب الأفراد على استخدامها بشكل يضمن المبادرة والسرعة والجاهزية وكيفية التعامل مع نوعية الحدث سواءً: (حريق ناشىء عن تماس كهربائي، أو مواد كيماوية، أو غازات، أو سوائل، أو أثاث، أو أخشاب، أو ورق، أو أقمشة).

وفي الختام نخلص إلى أن الأمن والسلامة في المنشآت الصناعية والبيئات المهنية ضرورة ملحة يجب تطبيق اشتراطاتها والعمل بقواعدها في المصانع والمعامل والمنشآت وكافة المرافق الأخرى لما لها من دور فاعل ومؤثر في وقاية العاملين وحماية الأجهزة والمعدات والتقليل من خسائر وتكاليف الإنتاج.

 

كاتب

  • أ. د. عبد الله محمد الشعلان

    أستاذ الهندسة الكهربائية بقسم الهندسة الكهربائية، جامعة الملك سعود تخصص دقيق هندسة القوى الكهربائية، يدخل في التخصص بعض الاهتمامات مثل تخطيط الأنظمة الكهربائية، التمديدات الكهربائية، ترشيد الطاقة الكهربائية، السلامة الكهربائية، استراتيجيات إدارة الأحمال الكهربائية، الطاقات المتجددة، تحسين أداء وتقليل تكاليف الأنظمة الكهربائية، ربط الأنظمة الكهربائية، السيارات الكهربائية، المواصفات القياسية السعودية ذات العلاقة بالكهرباء، مخاطر الإشعاعات الكهرمغناطيسية المنبعثة من خطوط الجهد العالي والأجهزة والمعدات الكهربائية.

    View all posts