لا يغيب عن أذهاننا جميعاً مزايا الكهرباء النافعة الجمَّة وتطبيقاتها المفيدة المتعددة، بيد أنَّ لها جانبًا آخر قاتمًا يجلب المخاطر ويورث الكوارث يجب البحث والكشف عنه والتوعية والتبصير به، لذا سنحاول في هذا المقال تبيان الاحتياطات والتدابير اللازمة التي يجب علينا تبنيها وتطبيقها والأخذ بها لتجنب تلك المآسي والأضرار التي قد تنجم عن سوء استخداماتنا للكهرباء وجهلنا بشروط الأمن والسلامة الواجب علينا معرفتها والامتثال لها والالتزام بها في استخداماتنا اليومية المتعددة لهذه الطاقة الحيوية الهامة التي لا غنى لنا عنها في حياتنا اليومية، وسيكون مجال القول هنا هو التركيز على المدفأة الكهربائية المنزلية، وحيث أن استخدامها والتعامل معها يُعَدُّ في حد ذاته سليمًا وآمنًا للعاقل والمتدبر فإنه في الوقت ذاته خطِرًا ومهلكًا للجاهل والمستهتر، حيث أثبتت سجلات الدفاع المدني أن نسبة كبيرة من الحوادث الكهربائية المؤسفة (الصعق، والحرائق) تعزى لمنشأ كهربائي، ولما كانت حياة الإنسان وسلامته أغلى ما في الوجود فسنبين في هذا المقال مكامن الأخطار الكهربائية وسبل تجنبها عند استخدام المدفأة الكهربائية عملاً بقول الرب تبارك وتعالى: (وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) البقرة: ١٩٥، وقوله عز من قائل: (وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) النساء:٢٩.
نحن الآن على مقربة من دخول فصل الشتاء ببرده القارس ورياحه العاتية وفيه نهرع بحثاً عن التدفئة بوسائلها وأجهزتها المختلفة، وتعتبر المدفأة (أو الدفاية) الكهربائية _في وقتنا الحاضر_ من أكثر أجهزة التدفئة استخداماً في فصل الشتاء، ولقد بدأ الإقبال عليها في السنوات الأخيرة عوضًا عن وسائل التدفئة التقليدية والمتعارف عليها مثل الحطب والفحم وذلك لسهولة تشغيلها ونظافتها وعدم تركها لمخلفات احتراق أو احتوائها على غازات خطرة أو أدخنة ملوثة مثل التي توجد في تلك الوسائل التقليدية الأخرى، كما أن ثمة ميزة جوهرية أخرى تتفوق بها المدفأة الكهربائية إلى حد كبير على نظيراتها من تلك الوسائل التقليدية للتدفئة ألا وهي عدم حاجتها للأوكسجين أو التهوية.
إن استخدام المدافىء الكهربائية ناتج عن وعي الكثير من الناس بسلامة استخدامها بدلاً من استخدام الفحم والحطب التي يعزى لها الكثير من نشوب الحرائق وحدوث الاختناقات، بيد أنه بالرغم من مزاياها المتعددة مقارنة بالوسائل الأخرى فإن الكثير منا قد لا يعي حقيقة أن المدفأة الكهربائية تسحب تيارًا كهربائيًا عاليًا، مثل: المكيف، والسخان، والمكوى، والفرن الكهربائي نظرًا لكبر قدرتها الكهربائية المقننة التي تتراوح أحياناً بين (2000 – 3000) واط، وحيث أنها ليست من الأجهزة الكهربائية الثابتة والتي يمكن أن يُعمل لها تمديدات خاصة ثابتة مخطط لها سلفًا بل هي من الأجهزة المتنقلة من غرفة إلى غرفة ومن مكان إلى آخر الأمر الذي يحتاج منا إلى التأكد من توصيلاتها وأسلاكها ومقابسها من حيث سمك الأسلاك وتوفر الجهد المناسب (الفولت) والمقابس (الأفياش) ذات القدرة المقننة والمناسبة لها.
وعند التحدث بلغة المعادلات الحسابية والحقائق العلمية فإن شدة التيار الكهربائي المار في الأسلاك تنتج عند قسمة القدرة المقننة للجهاز الكهربائي (بالواط) على الجهد الكهربائي (بالفولت)، فإذا افترضنا مثلاً أن لدينا مدفأة كهربائية قدرتها المقننة (أي المصممة لها) تساوي 2000 واط وتم توصيلها إلى الجهد 230 فولت فإن شدة التيار الكهربائي المار في أسلاكها عبر المقبس (الفيش) المثبت في الجدار يساوي حوالي 9 أمبير، وإذا كان التيار الكهربائي هو ذاته المسؤول عن حدوث الحرائق والصعقات المميتة (وقانا الله جميعا منها) فإن الأَوْلى والأحْوط أن نتأكد من قدرة المقبس من حيث تحمل أسلاكه وتوصيلاته الداخلية لنقل هذا التيار الكهربائي.
وفي هذا السياق فإنه يجب التنبيه بل والتحذير أنه عند شراء مدفأة كهربائية فيجب التأكد من أن القابس (الفيش الموصل بسلك المدفأة) مناسب للتوصيل بالمقبس الثابت في الجدار وأنه مطابق للمواصفات القياسية السعودية الصادرة في هذا الشأن وبما ورد في كود البناء السعودي، كما أن من الأحوط والأكثر أمنًا تشغيل تلك المدافئ بنصف قدراتها المصممة وليس عند نهاياتها العظمى (وهذا ممكن في أغلب أنواعها)؛ تجنباً لزيادة التيار ومن ثم سخونة السلك وانصهار المادة العازلة له مما يكون سببًا لمخاطر محتملة، مثل: التماس الكهربائي، ونشوب الحرائق، وحدوث الصعقات وقانا الله جميعًا منها، كما أنه وزيادة في الاحتياط وضع المدفأة الكهربائية بعيدًا عن متناول الأطفال والستائر والأوراق والأثاث والمواد القابلة للاشتعال والتأكد من إطفائها عند النوم.
ولكي نختم حديثنا عن المدفأة الكهربائية فإنه يوجد في الأسواق أنواع من المدافىء الكهربائية تعمل بمواد سائلة مختزنة بداخلها، وهذه الأنواع تعتبر أكثر أمنًا وسلامة من تلك الأنواع التي تعمل بأسلاك أو قضبان ساخنة مُشعَّة؛ لأن تلك السوائل تسخن بداخلها وبالتالي يسخن هيكلها الخارجي وتنبعث منه الحرارة والدفء دون أن تحدث اشتعالاً أو تسبب حريقًا لأي من المواد الملامسة لها أو القريبة منها.
وختامًا نسأل الله الكريم أن ينفعنا بما علمنا ودعانا إلى العمل به وأن يكتب لنا السلامة والأمان وأن يهدينا إلى سواء السبيل إنه سميع الدعاء وخير مجيب.