لقطاع الكهرباء دور بارز في مراحل التنمية المتسارعة التي تعيشها المملكة منذ ستة عقود، ولأهمية هذا القطاع وفعاليته فقد أخذت الدولة زمام المبادرة منذ بداية نشأته وحداثته في دعمه وتمويله والوقوف بجانبه عبر مراحل تطوره المتلاحقة، وقد تمثل ذلك في قيام كبريات المؤسسات العاملة في مجال تخطيط الأنظمة الكهربائية بإجراء دراسات للتخطيط بعيد المدى لقطاع الكهرباء في المملكة والتي كان من ضمنها وأشملها وآخرها دراسة قامت بها مؤسسة “تشارلز تي مين” ومقرها في مدينة بوسطن الأمريكية وكان ذلك في عام 1976م، إلى جانب أن الدولة رعاها الله بمؤسساتها المختلفة آنذاك (مصلحة الخدمات الكهربائية، المؤسسة العامة للكهرباء، وزارة الصناعة والكهرباء، هيئة تنظيم الكهرباء) شرعت في تمويل كافة متطلبات هذا القطاع وإعادة هيكلته وتنظيمه من خلال خطوات دمج مرافق وشركات معزولة صغيرة على صعيد المناطق مما نتج عنه شركات موحدة ذات كيانات متماسكة في تلك المناطق، ثم كانت الخطوة الواسعة والجبارة لصهر تلك الشركات (الموحدة) في شركة سعودية واحدة على مستوى المملكة لتكون قادرة على النمو والتطور والاعتماد على قدراتها الذاتية للقيام بمهامها وربط مناطقها ونشر خدماتها وتحقيق متطلبات التنمية الإجتماعية والإقتصادية والصناعية ولترقى بخدماتها المقدمة إلى الأفضل وترضي دائمًا توقعات وآمال المستهلك توليدًا ونقلاً وتوزيعًا. ولجعله قطاعًا استثماريًا مربحًا ولتهيئته لأن يكون كذلك فلا بد من إدارته إدارة مثلى تستند إلى التخطيط السليم عند اختيار وحدات التوليد حجمًا ونوعًا وموضعًا وإلى التشغيل الاقتصادي الأمثل لتلك الوحدات المرتبط بترشيد استهلاك الوقود وجدولة أعمال الصيانة.
وما دام الحديث هنا عن التخطيط الأمثل لقطاع الكهرباء فيجب أن يبدأ أولا من تقدير الأحمال المستقبلية ومعرفة معدلات نموها الزمني وأحجامها وطبيعتها (سكني، تجاري، حكومي، صناعي، مستشفيات، مطارات، مساجد، ملاعب، حدائق، ترفيه، إلخ)، وبناءً على هذه التقديرات يتم عندئذ تقدير التكاليف لاختيار وتركيب وحدات التوليد ومد خطوط النقل وبناء شبكات التوزيع، ويطلق على هذه التكاليف (التكاليف الثابتة) لأنها تنفق مرة واحدة في العمر التشغيلي للمشروع، وبما أن هذه المعدات تحتاج للوقود وقطع الغيار والصيانة الوقائية المجدولة فهذه التكاليف تمثل (التكاليف المتغيرة). وبعدئذٍ يتم معرفة الطاقة المنتجة بالكيلواط ساعة وهي الوحدة المعتبرة كسلعة تجارية تقوم الشركة ببيعها للمشترك. وهناك خطوة استراتيجية أخرى على جانب كبير من التأثير والأهمية ولا يمكن تجاهلها أو إغفالها وهي ما يعرف بـ “إدارة الأحمال” وتتمثل في التفاهم والتعاون بين جهة الإمداد (شركة الكهرباء) لإنتاج طاقة كهربائية ذات جودة وموثوقية وكفاءة وبين جهة الطلب (المشتركون) لاستهلاك تلك الطاقة بشكل مقبول لا هدر فيه ولا إسراف. وهذا التنسيق الذي يجب أن يسود بين الجهتين (الإمداد والطلب) يأتي بنتائج إيجابية مثمرة لأن أهم ما يواجه شركات الكهرباء هو الوصول لهيكل تعرفة موزونة عادلة تراعي الدخل المعقول الذي يهيء لها مسارًا آمنًا ودخلً مجزيًا للمضي قدمًا في مزاولة مهامها وتقديم خدماتها لمشتركيها من جهة وتتفادى تحميل المشترك بفاتورة ثقيلة مرهقة من جهة أخرى, لذا دأبت تلك الشركات أن تتخذ معايير وطرائق وسياسات معينة في كيفية تقييم التكاليف الثابتة للمنظومة الكهربائية والتكاليف المتغيرة للوقود والصيانة حيث يأتي بعد ذلك حساب الطاقة المنتجة بالكيلواط ساعة وهي الوحدة المعتبرة كسلعة تجارية تقوم الشركة ببيعها للمشترك، وعلى ضوء تلك التكاليف (الثابتة والمتغيرة) والتي تم إنفاقها من أجل إنتاج وحدة الطاقة (الكيوواط ساعة) يتم عندئذٍ تقييم التكلفة الفعلية لوحدة الطاقة المنتجة والتحقق منها، وعندئذٍ تقوم الشركة بوضع هامش مناسب لربح معقول يتم على ضوئه تصميم هيكل التعرفة العادل المريح لها ولمشتركيها على حد سواء.