Target or Noise?
محمد مساعد العبدالمحسن

خوارزمية CFAR: أقوى تقنيات تحديد الأهداف في أنظمة الرادار

يستعرض هذا المقال المبادئ الأساسية لأنظمة الرادار لتحديد الأجسام، والتحديات المرتبطة بتحديد الأهداف بدقة في البيئات المشوشة، ثم يسلط الضوء على خوارزمية CFAR كإحدى أبرز الحلول التقنية، موضحًا آلية عملها وأنواعها والمعايير المؤثرة في أدائها.

أنظمة الرادار

أنظمة الرادار (RADAR: Radio Detection and Ranging) هي تقنيات تعتمد على إرسال موجات كهرومغناطيسية واستقبال انعكاسها عن الأجسام لتحديد موقعها وسرعتها واتجاهها وحجمها. تُستخدم الرادارات في تطبيقات متعددة مثل الطيران والملاحة والدفاع وكذلك الأرصاد الجوية وحتى في السيارات.

تحديد الأهداف بالرادار

أحد أهم وظائف الرادار هو اكتشاف الأهداف. حيث يتم مقارنة الإشارة المستلمة مع حد معين لتحديد ما إذا كانت تشير إلى وجود جسم حقيقي أو لا. ولكن بسبب الضوضاء (Noise) والتشويش (Jamming) وتغير البيئة، لا يمكن استخدام حد ثابت دائمًا، ولهذا ظهرت طرق أكثر دقة لتحديد هذا الحد الفاصل.

الحد Threshold

عندما يتم ذكر الحد أو Threshold (وتسمى العتبة) في أنظمة الرادار فإن المقصود غالبا هو الحد الذي يفصل وجود جسم حقيقي من عدم وجود أي جسم.

لإن الضوضاء والتداخل الكهرومغناطيسي في كل مكان – كإشعاعات الأجهزة الالكترونية والكهربائية أو حتى التشويش عن قصد، ما يطلق عليه Jamming – فإن تحديد وجود هدف من عدمه ليس بالأمر السهل بسبب تداخل هذه الإشارات مع إشارة الجسم التي اصطدمت بها إشارة الرادار وإرتدت إليه، إن كان هنالك جسم.

يمكن توضيح فكرة الحد أكثر عن طريق مثال محاكاة، الصورة في الأسفل تمثل إشارة (على نطاق التردد بإستخدام FFT) استلمها رادار في ظل وجود ضوضاء عشوائية. حيث أن المحور الأفقي يتناسب طرديا مع الترددات، والعمودي يتناسب طرديا مع قدرة الإشارة المستلمة بوحدة الديسيبل (dB). نلاحظ وجود ترددات كثيرة بمختلف الطاقات المستلمة، لكن يمكن بوضوح تمييز ثلاث نطاقات ترددية معينة ذات طاقة مستلمة عالية، مما قد يشير الى وجود جسم على هذه النطاقات. وهنا يأتي دور الحد والذي يفصل بين ما يتم إعتباره هدفاً Target وبين ما يتم إعتباره مجرد ضوضاء Noise.

قد يظن البعض بناءا على الصورة السابقة أن تحديد الأهداف سهل، فالصورة يبرز فيها 3 قمم، والتي يرجح أن تكون أجساما (أو أهدافا)، وهذا قد يكون صحيحا في هذه الحالة البسيطة، ولكن الإشارات الواقعية أكثر تداخلا بكثير، مما يتطلب تدخلا رياضيا وإحصائيا أكثر تعقيدا لتقليل نسبة الخطأ، أما هذه الإشارة في الأعلى فقد تم إنشاؤها بلغة Python وتم وضع طاقة ضوضاء قليلة وبتوزيع طبيعي بسيط مع تبسيطات كثيرة أخرى لغرض الشرح فقط.

طرق وضع الحد Thresholding Methods

هناك نوعان أساسيان من طرق تحديد الحد وهما التحديد الثابت Static والمتكيف Adaptive أو ما يسمى بالديناميكي Dynamic، فأما الأول فهو بسيط وسهل التطبيق حيث أن الحد عبارة عن قيمة معينة وأي ترددات تقع فوق هذا الحد يتم اعتباره جسم أو هدف، أما اذا كان تحت هذه القيمة الثابتة فإنه يصنف كضوضاء. الرسمة في الأسفل توضح هذا النوع على إشارة رادار مستلمة (مختلفة عن السابق).

بسبب بساطة هذه الطريقة، فإنها غير عملية أبدا. الإشارة في الأعلى في الواقع تحوي 3 أجسام، ولكن الحد اعتبر أن هناك 8 أجسام. يمكن أن يتم التلاعب بقيمة هذا الحد الثابت برفعه مثلا لتقليل الخطأ، ولكن هذا أيضا غير عملي لأن الرادار يستلم إشارات مختلفة كل مرة، فلو تم تقليل الخطأ هنا برفع الحد قد يزيد مكان الحد الجديد هذا الخطأ بإشارات مستلمة أخرى.

أما الطريقة الثانية لتحديد الحد -الحد المتكيف- فإن قيمة الحد ليست ثابتة، بمعنى أنها ليست مجرد خط كما في الصورة فوق، بل تتغير حسب الطاقة في الترددات المحيطة، مما يجعله أكثر دقة بكثير لتحديد الأهداف مقارنة بالحد الثابت. من أبسط الطرق لرسم حد متكيف هي تمرير الإشارة (في النطاق الترددي، وليس الزمني) خلال مرشح ذات الترددات المنخفضة Low-Pass Filter (LPF)، والذي سيعطي إشارة أكثر نعومة من الإشارة الأصلية، وهذه الإشارة الناعمة تستخدم كحد، ما يعني أن اي ترددات تقع فوق هذه الإشارة الناعمة سيتم إعتباره هدفا وليس ضوضاء. الرسمة في الأسفل توضح الإشارة المستلمة باللون الأزرق والحد باللون الأحمر (الإشارة الناعمة، والتي في الأساس الإشارة المستلمة لكن مرشحة).

هذا النوع من طرق وضع الحد بكل وضوح أعطى نتائج أفضل من الحد الثابت، ولكن رغم أن هذا النوع جيد، الا انه لا يزال غير عملي لأسباب كثيرة، فنرى أنه صنف 4 إشارات على أنها أجسام ولكن في الحقيقة عدد الأجسام التي تم إنشاؤها في هذه المحاكاة هو 3 أجسام فقط.

خوارزمية CFAR

CFAR (Constant False Alarm Rate) هي أشهر خوارزمية تحليل إشارات رقمية لتحديد الأهداف في الرادار والتي تندرج تحت تصنيف الحد الديناميكي أو المتكيف. هذه الخوارزمية تعتمد على حساب الحد بناءً على مستوى الضوضاء المحيط بالإشارة بحيث يبقي معدل الإنذارات الكاذبة (False Alarms) ثابتًا. بمعنى أنه يهدف الى تثبيت احتمال تصنيف الإشارة بأنه هدف على مدى جميع الترددات حسب محيط التردد المقصود.

أشهر أنواعها:

  • CA-CFAR: يستخدم المتوسط الحسابي للنطاق المحيط.
  • GO-CFAR: يستخدم أعلى قيمة متوسط حسابي.
  • SO-CFAR: يستخدم أقل قيمة متوسط حسابي.
  • OS-CFAR: يعتمد على ترتيب العينات واختيار قيمة وسطية، ويُعتبر الأقوى في البيئات المعقدة.

أبسط هذه الأنواع هو الأول CA-CFAR، والذي يستخدم المتوسط الحسابي لطاقة الإشارات في الترددات المحيطة لتحديد قيمة الحد في تلك النقطة.

آلية عمل CA-CFAR

لأن البيانات في الأجهزة الإلكترونية عبارة عن قيم محددة Discrete وليست قيم مستمرة Continuous كالواقع، فيمكن وصف الإشارة المستلمة بقائمة List تحتوي على خلايا مكونة من أعداد، هذه الأعداد تمثل قيمة الطاقة أو قيمة تتناسب طرديا معها، وترتيب أو رقم كل قيمة في القائمة (index)  يتناسب طرديا مع التردد لهذه القيمة. مثلا، هذه قائمة بسيطة:

[–40, –42, –38, –15, –39, –41, –43, –40]

هنا نرى الإشارة بشكل قيم محددة، العدد يمثل قوة الإشارة بالديسيبل وترتيبه يتناسب طرديا مع التردد الذي تم رصد فيه هذا المقدار من الإشارة، حسب معدل اخذ العينات Sampling Rate.

CFAR Example

يقوم CA-CFAR بحساب المتوسط عن طريق تصنيف هذه الخلايا الموجودة في القائمة (والتي تمثل الاشارة المستلمة) الى نوعين: الخلايا الفارغة Gap Cells، أو خلايا مرجعية Ref Cells. ببساطة، الخلايا الفارغة، ويرمز لها بالحرف G، لا تدخل ضمن حساب المتوسط، بينما الخلايا المرجعية، ويرمز لها بالحرف T، تدخل في حساب المتوسط. فلو أردنا حساب قيمة الحد عند الخلية الخامسة مثلا، وتسمى الخلية تحت الإختبار Cell Under Test (CUT)، والتي تحتوي على طاقة بقيمة –39 ديسيبل، مع افتراض قيمة الخلايا الفارغة لتكون 2 والخلايا المرجعية 3:

[–40, –42, –38, –15, –39, –41, –43, –40] →  هذه الإشارة المستلمة، والقيمة المظللة تمثل الخلية المطلوب حساب الحد عندها

Gap Cells = 2 → تعني أن 2 من الخلايا المجاورة للخلية المستهدفة يتم تجاهلهم في حساب المتوسط

Ref Cells = 3 → تعني أن 3 من الخلايا (بعد الخلايا الفارغة) في كلا الجهتين يتم إدخالهم في حساب المتوسط

بناءً على ما سبق، يمكن حساب قيمة الحد عند الخلية الخامسة بإيجاد المتوسط للأعداد:

[–40, –42, –38, –43, –40]

حيث تم تجاهل خلايا الفراغ والتي عددها 2 وهما -15 و -41، وتم إدخال 3 خلايا من جهة اليمين و3 من جهة اليسار والتي تمثل الخلايا المرجعية لحساب المتوسط، ليكون المتوسط -40.6 ديسيبل.

عادة ما يكون هناك قيمة تسمى Scaling Factor أو معامل القياس والذي يضاف (إذا كان بوحدة الديسيبل) الى الناتج المستخرج سابقا لضبط حساسية الحد حسب البيئة وطبيعة الضوضاء وتوزيعه، فلو كان معامل القياس 5 ديسيبل مثلا، فسيكون الحد النهائي في الخلية رقم 5 هو -35.6 ديسيبل، إذا لم نستخدمه، العتبة قد تكون منخفضة أو مرتفعة جدًا وقد لا تحقق الأداء المطلوب. بعد ذلك، يتم حساب الحد في جميع الخلايا بنفس الطريقة تماما، ثم تستخدم هذه القائمة الجديدة كحد متكيف للمقارنة مع الإشارة المستلمة، فما فوق هذا الحد يعتبر هدفًا. الرسمة في الأسفل تبين حد CFAR الخاص بالإشارة السابقة.

تم تصنيف 3 إشارات على أنها أهداف، وهذا يطابق الأجسام التي تم وضعها في المحاكاة، مما يظهر قوة ودقة هذه الخوارزمية لتحديد الحد بشكل تكيفي. من الجدير بالذكر أن قيم الخلايا الفارغة والخلايا المرجعية تُحدد بناءً على البيئة المحيطة وكثافة الأهداف ومستوى الضوضاء وعرض الهدف في النطاق الترددي، الهدف هو التوازن بين الدقة وتقليل التعقيد الحسابي.

مشاركة المقالة على :
فيسبوك
منصة 𝕏
لينكدن
واتساب
البريد الاكتروني