تمثل مشكلة التغير المناخي تحدياً كبيراً للمجتمع الدولي، إذ أثارت اهتمام جميع الأوساط الدولية والإقليمية من منظمات وهيئات حكومية وغير حكومية. ولقد شهد عالمنا المعاصر في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين ازدياد آثار التغير المناخي والذي سببه عمليات طبيعية داخلية، أو قوى خارجية، أو تغيرات في بنية الغلاف الجوي، أو في اتساع رقعة اليابسة، وتمثلت إرهاصات هذا التغير بالأعاصير والفيضانات وارتفاع درجات الحرارة الناجمة عن انبعاثات الغازات، والتي شكلت تهديداً للمجتمع الدولي وللاقتصاد العالمي برمته.
أثر التغيرات المناخ على مستوى التنمية
إن لتغير المناخ جملة من التأثيرات السلبية على الأصعدة البيئية والاجتماعية والاقتصادية، ولكن يبقى التأثير الاقتصادي هو الأهم هناك أثر لمستوى التنمية على الأضرار الناجمة عن تغير المناخ:
أولاً: عادة ما ينطوي انخفاض مستوى التنمية على ارتفاع درجة الاعتماد على القطاعات الحساسة للتغيرات المناخية، وخصوصاً الزراعة.
ثانياً: عادة ما يكون السكان في هذه الدول معرضين بدرجة أكبر إلى تغير المناخ بسبب انخفاض نصيب الفرد من الدخل مقارنة بغيرها من الدول، ومحدودية توافر الخدمات العامة (كالرعاية الصحية)، وانخفاض مستوى تطور الأسواق المالية.
ثالثاً: تؤدي نفس العوامل أيضاً إلى تقييد طاقة التكيف لدى الاقتصاد المعني. وهناك تقديرات للأضرار الناجمة عن تغير المناخ تحدد صراحة التكاليف كدالة لمستوى الدخل. وغالباً ما يكون هناك اقتران بين ارتفاع درجات الحرارة المبدئية وانخفاض مستويات التنمية، ما يؤدي إلى مضاعفة التأثير الضار لتغير المناخ على الاقتصادات النامية.
تداعيات تغيّر المناخ وتأثير الطاقة النظيفة على الأقتصاد والتنمية المستدامة
بحسب التقديرات الأولية، تراجعت انبعاثات الكربون العالمية بنحو 5% في عام 2020، لكن هذه حقيقة غير مكتملة، ومن خلالها تكشف أزمة كورونا النقاب عن بعض الدروس المهمة. ويرى أن تراجع الانبعاثات في العام الماضي غير مستدام اقتصاديًا وغير قابل للتكرار، نظرًا لأن هذا الانخفاض كان ناتجًا عن فيروس كورونا، الذي تسبّب في إغلاق القطاعات الاقتصادية، وأثّر بشكل سلبي للغاية في النشاط الاقتصادي العالمي.
وفي الحقيقة، لا يتطلب النمو الاقتصادي منخفض الكربون التزامًا سياسيًا من جميع الدول فحسب، بل يحتاج -أيضًا- تغييرًا اقتصاديًا هيكليًا مستدامًا،. يمكن للسياسات المناسبة في مجالات التجارة والاستثمار والتكنولوجيا أن تساعد في ضمان توفير السلع المناسبة والمعرفة اللازمة والأموال المطلوبة حتى لا تضطر الدول النامية إلى تعليق تقدّمها الاقتصادي من أجل حماية الكوكب.
بحلول منتصف القرن، سيخسر العالم نحو 10% من إجمالي القيمة الاقتصادية بسبب تغيّر المناخ، حال استمرار الوضع الحالي من زيادة درجات الحرارة وعدم الوفاء باتفاقية باريس وأهداف الحياد الكربوني لعام 2050، وفقًا لبحث صادر عن شركة التأمين السويسرية سويس ري (Swiss Re).
وحال عدم اتخاذ أي إجراء للتخفيف من تداعيات تغيّر المناخ، قد ترتفع درجات الحرارة العالمية بأكثر من 3 درجات مئوية؛ ما قد يدفع الاقتصاد العالمي إلى انكماش نسبته 18% في الأعوام الـ30 المقبلة، بحسب البحث
وهذا يبرز أهمية تسريع التحوّل للطاقة النظيفة وتقليل الانبعاثات الكربونية، ليس لأنه سيقلل من تداعيات تغيّر المناخ فحسب؛ بل لأن بإمكانه دفع نمو الاقتصاد العالمي بنحو 2.4% أكثر من المتوقع للخطط الحالية خلال العقد المقبل، بحسب تقرير آفاق تحولات الطاقة، الصادر هذا العام عن الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (آيرينا).
ووفقًا للتقرير؛ فإن مسار خفض درجات الحرارة إلى 1.5 درجة مئوية سيوفر نحو 122 مليون وظيفة متعلقة بالطاقة بحلول عام 2050، وهو ما يتجاوز ضعف عدد الوظائف المسجلة عام 2019 عند 58 مليون وظيفة.
ولذا تقليل الآثار الاقتصادية لتغير المناخ يتطلب تبني أسس ومعايير الاقتصاد الأخضر التي تشجع على إيجاد مصادر جديدة ونظيفة للطاقة ذات انبعاثات كربونية منخفضة والاعتماد على أساليب تكنولوجية للحد من انبعاث الكربون في المواصلات وتقنيات أكثر كفاءة لاستخدام الأراضي الزراعية والحد من تعرية التربة وحماية التنوع البيولوجي