تخطى إلى المحتوى

تأثير دَمج موارِد الطاقة المُوزعة على الشّبكة الكَهربائية

حافظت الشبكات الكهربائية لعقود طويلة من الزمن على مفهوم الاستقرارية (Stability) للنظام الكهربائي ككُل، والموثوقية (Reliability) في إيصال الخدمة الكهربائية الى المستهلكين النهائيين، وذلك بفضل التخطيط المستمر الذي يعمل عليه مهندسو تخطيط الشبكات، وساعدهم في ذلك طبيعة مصادر التغذية والأحمال الكهربائية التي مثلت مساراً أحاديّ الاتجاه (Unidirectional)، حيث أن مصدر التغذية في الشبكات التقليدية يبدأ من قطاع توليد الكهرباء بإنتاج الطاقة ونقلها لمسافات طويلة عبر قطاع النقل وصولاً الى قطاع التوزيع الذي يقوم بدوره بتوزيع الكهرباء على المستهلك النهائي، وغالباً ما يتم هذا بمسار أحادي واضح من البداية الى النهاية.

الا أنه ومع انتشار موارد الطاقة الموزعة (Distributed Energy Resources) مثل أنظمة الطاقة المتجددة كالطاقة الشمسية والرياح، وأنظمة التخزين كالبطاريات، وأنظمة التوليد المنعزل كالمولدات الاحتياطية أو مولدات الديزل والتي تتواجد عادةً عند المستهلك النهائي، فقد أصبحت مصادر التغذية ثنائية الاتجاهات (Bidirectional) على الشبكة الكهربائية، فإما تذهب الى الاحمال مباشرة او تعود الى الشبكة الكهربائية، مما أدى الى ظهور مجموعة من التحديات الجديدة والاحتمالات المعقدة أثناء دمج موارد الطاقة الموزعة والتي لابد من اخذها بعين الاعتبار اثناء تخطيط الشبكات الذي ينتهي بوجود الشبكات الذكية لاحقاً.

ما هي موارد الطاقة الموزعة (Distribution Energy Resources-DER)؟

يمكن تعريف موارد الطاقة الموزعة على أنها أنظمة تقوم بإنتاج الطاقة الكهربائية او تخزينها، والتي ترتبط بشبكة توزيع الكهرباء سواء كانت أنظمة مركزية (Centralized) لا تغذي احمالاً مباشرة، او أنظمة موزعة لا مركزية (Noncentralized) تتواجد عن المستهلك النهائي وخلف العداد الكهربائي له.

صورة 1: موارد طاقة موزعة على شبكة توزيع الكهرباء

وتمثل ألواح الطاقة الشمسية الكهروضوئية وتوربينات الرياح ومولدات الديزل التقليدية أشهر الأمثلة على موارد الطاقة الموزعة التي تنتج الطاقة الكهربائية، فيما تمثل بطاريات الليثيوم وبطاريات المركبات الكهربائية أمثلة على تخزين الطاقة والتي يتم استخدامها لاحقاً كمصدر للتغذية.

صورة 2: تنقسم تكنولوجيا موارد الطاقة الموزعة الى توليد وتخزين الكهرباء.

ما هي تصنيفات موارد الطاقة الموزعة (Distributed Energy Resources Classifications)؟

يمكن تصنيف موارد الطاقة الموزعة الى أربع تصنيفات رئيسية بناءً على تكنولوجيا الطاقة وطريقة ربطها بالشبكة الكهربائية، وهي كما يلي:

  • موارد توليد الطاقة (Power Generation): وهي توليد الطاقة الكهربائية بطرق متعددة منها ألواح الطاقة الشمسية او طاقة الرياح او مولدات الديزل، وينقسم هذا التصنيف الى عدة اقسام وهي:
    • أنظمة موزعة (Distributed Generator-DG): وهي مولدات توليد الطاقة التي ترتبط بالجهد المتوسط او المنخفض ويتم تشغيلها اما من قبل مزود الخدمة او مطور تجاري، وتستخدم عادة في دعم الشبكة لتغطية ارتفاع الاحمال الكهربائية.
    • أنظمة توليد الطاقة خلف العداد (Behind-the-meter Generation- BTMG): وهي الأكثر انتشاراً وتمثل الواح الطاقة الشمسية الكهروضوئية على أسطح المنازل والمنشآت أبرز الأمثلة عليها، وتقع هذه الأنظمة عند احمال المستهلكين للمساهمة في تغطية جزء او كامل الأحمال الكهربائية.
    • الموارد المجمعة (Distribution Energy Resources Aggregation-DERA): وهي أنظمة توليد طاقة مركزية ترتبط بشبكة التوزيع وتكون بعيدة عن احمال الكهرباء الخاصة بالمشتركين، حيث يتم انتاج الطاقة الكهربائية في مكان واستهلاك الكهرباء في مكان اخر.
    • الأنظمة المشتركة والأنظمة الاحتياطية (Cogeneration & Back-Up Generation BUG): وهي انتاج الطاقة الكهربائية من منتج ثانوي في عملية قائمة، مثل الاستفادة من عوادم المولدات وادخالها مرة أخرى في دورة انتاج أخرى، او توليد الكهرباء اثناء الانقطاع وفي حالات الطوارئ.
  • موارد تخزين الطاقة (Energy Storage): وهي التكنولوجيا التي يتم من خلالها تخزين الكهرباء وقد تكون لدى المستهلك النهائي او لدى مقدم خدمة التوزيع ومن الأمثلة عليها أنظمة تخزين البطاريات (BESS) والمركبات الكهربائية (EV) التي تشحن من شبكة الكهرباء.
  • الشبكات الصغيرة والمعزولة (Microgrid-MG): مجموعة من موارد الطاقة الموزعة والتي تقوم بتزويد أحمال كهربائية لمنطقة محدودة ومحصورة، سواء كانت متصلة مع الشبكة الكهربائية او معزولة عنها، مثل الجزء البحرية والهجرات البعيدة عن المدينة.
  • إدارة جانب الطلب (Demand Side Management-DSM): لا تقتصر إدارة جانب الحمل على توليد الكهرباء، وهي تختلف عن التقنيات السابقة، لكنها تهتم بإدارة الاحمال والتخفيف من العواقب الاقتصادية.

صورة 3: تصنيفات موارد الطاقة الموزعة.

ما هو أثر دمج موارد الطاقة الموزعة (Impact of Distributed Energy Resources Integration)؟

على الرغم من ان دمج موارد الطاقة الموزعة أدى الى تغيرات ديناميكية في الشبكة الكهربائية، أصبح من خلالها تخطيط الشبكات بحاجة الى توسيع احتمالات تدفق الطاقة وحساب تيارات القصر عند نقاط الربط مع هذه المصادر، إضافة الى الحاجة لتوقع أسرع للتوازن ما بين توليد الطاقة واستهلاك الأحمال بما يضمن التشغيل الأمثل، الا ان هناك العديد من التأثيرات الإيجابية للطاقة المتجددة والموزعة على الشبكة الكهربائية ومنها:

  • تحسين الجهد الكهربائي (Improve Voltage):

يتم تزويد المستهلكين بالكهرباء من خلال مغذيات متعددة (Feeders) تقطع مسافات كبيرة وتتداخل مع بعضها عند بعض النقاط لتسهيل التحكم باتجاه الطاقة من المصدر الى المستهلك، ولكن كلما زادت مسافة المغذي كلما قل الجهد الكهربائي على طول الخط الواصل مما يؤدي الى خسائر اقتصادية نتيجة هبوط الجهد (Voltage Drop)، ومن هنا تأتي أهمية موارد الطاقة الموزعة مثل الطاقة الشمسية الكهروضوئية التي تقوم بتغذية الأحمال الكهربائية لدى المستهلكين مما يخفف من استهلاك التيار الذي ينتقل من خلال المغذيات والذي بدوره يؤدي الى ارتفاع في الجهد الكهربائي خاصة اذا كانت نقاط الالتقاء في نهاية الخطوط او على اطراف المغذيات.

صورة 4: تحسن الجهد الكهربائي (الخط الأحمر) بعد إضافة مصدر توليد على شبكة التوزيع.

  • الاستفادة من القدرة غير الفعالة (VAR Control-Reactive Power):

يعمل مشغلو الشبكة الكهربائية للحفاظ على معامل القدرة عند حدود مناسبة لتفادي الخسائر الاقتصادية وزيادة كفاءة الطاقة والحفاظ على جودة القدرة الكهربائية، ويمكن ذلك من خلال إضافة مواسعات لتحسين القدرة (Correction Power Factor) عند النقاط الساخنة والمضطربة والتي تقل عندها الفولتية او يتدنى لديها معامل القدرة، ويأتي دور موارد الطاقة الموزعة من خلال العواكس الذكية (Smart Inverter) او ما يعرف بعواكس الموارد (Inverter-Based Resource)، حيث تم تصميم هذه العواكس وبرمجتها لتعمل وفقاً لجهد وتردد الشبكة بحيث تساهم بجزء من القدرة غير الفعالة عند الحاجة لذلك مما يعزز من استقرار الشبكة وضمان التشغيل عند الحدود المسموح بها.

صورة 5: مساهمة أنظمة الطاقة الكهروضوئية بالقدرة غير الفعالة من خلال العواكس الذكية.

 

  • ركوب الجهد الكهربائي (Voltage Event Ride-Through):

واحدة من اهم الميزات التي تقدمها موارد الطاقة الموزعة مثل طاقة الرياح والطاقة الكهروضوئية على شبكة التوزيع، وهي الاستمرار بالعمل أثناء انحراف الجهد او التردد لتقديم الدعم والحفاظ على استقرارية المنظومة ككل، حيث انه وفي بعض الأحيان يكون هناك ارتفاع او انخفاض في جهد وتردد الشبكة الكهربائية خلال فترة زمنية قصيرة جداً، والأصل ان لا يتم انتاج الطاقة الكهربائية من عواكس القدرة (كمحولات الطاقة الشمسية مثلاً) خلال هذه الفترة، الا ان انقطاع الطاقة الكهربائية بالكامل من موارد الطاقة الموزعة قد يؤدي الى حدوث اضطرابات اثناء تعويض الحمل الكهربائي مما يؤدي الى الحاجة لدخول مولدات احتياطية أكثر، وهو ما يمثل تحدياً كون الفترة الزمنية ضئيلة جداً، لذلك تعمل العواكس باستمرار خلال هذه الفترة القصيرة مما يعوض الحاجة لوجود مولدات احتياطية قد تحتاج الكثير من الوقت والمال.

صورة 6: منحنى الجهد اثناء اركاب الموجة الكهربائية بحيث لا يجب ان تفصل العواكس عند المناطق A&B

  • التحكم في معدل الانحدار (Ramp-rate Control):

إن انتاج الطاقة الكهربائية لبعض موارد الطاقة الموزعة كالطاقة المتجددة (شمسية ورياح) ينخفض ويرتفع بسرعة نتيجة الاعتماد على الظروف الجوية، وتؤدي هذه التغيرات السريعة لحدوث ارباك لمشغل الشبكة، ولتفادي هذه الإشكالية تقوم المحولات الذكية بالحد من معدل الزيادة او النقصان للطاقة المنتجة من خلال المكثفات الفائقة لديها (supercapacitor).

  • التوليد الاحتياطي (Backup generation):

تتعرض الشبكة الكهربائية الى مجموعة من التحديات التي قد تؤثر على إيصال الخدمة الكهربائية للمستهلكين النهائيين، ومنها انقطاع التيار الكهربائي من احد الفيادر (Feeders) او من محطات توزيع فرعية او رئيسية (Distribution Substations)، ولغايات التعويض السريع عن هذا الانقطاع تعمل موارد الطاقة الموزعة مثل مولدات الديزل على إيصال التيار الكهربائي لفترة زمنية محدودة الى حين اصلاح العطل الكهربائي (Electrical Fault)، و تُعتبر المولدات الاحتياطية واحدة من أهم الحلول السريعة والآمنة التي تكون موزعة على شبكة التوزيع أو عند المستهلك النهائي، حيث تعمل بديلاً عن مصدر التغذية الرئيسي، وتتميز بإمكانية اضافتها بشكل لا مركزي وعلى نقاط ربط متعددة لتأمين المنشآت الحساسة كالمستشفيات ومراكز الاتصالات وغيرها.

صورة 7: مجموعة من مولدات الديزل على شبكة التوزيع للمساهمة في الطاقة الاحتياطية والداعمة.

  • التوليد الداعم (Supporting Generation):

نظراً لطبيعة الشبكة الكهربائية المعقدة والمترابطة بين العديد من محطات التوزيع وتباين الاحمال الكهربائية من منطقة الى أخرى، فقد تنخفض قيمة الجهد عند بعض النقاط او تتذبذب قيمة التردد دون حدوث انقطاعات في إيصال الخدمة، ولتعزيز جودة القدرة والطاقة الكهربائية يتم تغذية جانب شبكة التوزيع بمولدات إضافية تعمل على دعم استقرار الشبكة وتحسين الجهد الكهربائي، ان وجود هذه المولدات على جانب التوزيع يُعد أهم موارد الطاقة الموزعة التي تحافظ على استقرار وموثوقية الشبكة الكهربائية والتي تُستخدم كأحد الحلول الداعمة والسريعة.

إن دمج موارد الطاقة الموزعة في شبكة التوزيع له العديد من الإيجابيات على مشغلي شبكات الكهرباء ويرافقها بلا شك بعض التحديات، الا انه لا يكفي نشرها دون مراقبتها او التحكم بها، لذلك فان المستقبل لتشغيل هذه الموارد يكون بتجهيز البنية التحتية من إمكانية استضافة منظومات الطاقة المتجددة وغيرها، والدخول في عصر الشبكات الذكية (Smart Grid)  وانشاء مراكز تحكم واستبدال العدادات الذكية إضافة الى تعزيز الامن السيبراني لجميع هذه المكونات الالكترونية في الشبكة الكهربائية لتحقيق أفضل الممارسات لمفهوم استدامة الطاقة (Sustanability).

 

مراجع:

كاتب