تخطى إلى المحتوى

النظام الكهربائي لطائرة الأحلام الأمريكية (Dreamliner)

استطاع الأخوان رايت تشغيل طائرتهما (Wright Flyer) بمحركٍ من تصميميهما مؤلف من أربع أسطوانات بقوة 12 حصانًا. إن كل ما كانا يحتاجان إليه هو شرارة كهربائية واحدة لإشعال خليط البنزين والهواء في حجرة الاحتراق الداخلية بمحرك الطائرة.

أما فيما يتعلق بطائرة دريملاينر 787 Dreamliner، فقد كانت التوقعات أعلى بكثير. ونظرًا لكونها أكثر مجموعات الطائرات تطورًا في العالم، فقد تم تصميمها لنقل ما يصل إلى 290 مسافرًا إلى جانب طاقم الطائرة لمسافة 8500 ميل بحري 15750 كم – أي ما يعادل ثلث محيط الكرة الأرضية. وسجّل أسطول طائرات 787 التجارية التي تعمل في الخدمة والطائرات التجريبية ما يزيد عن 55 ألف ساعة طيران، في ظل تسجيل موثوقية شحن عالية ضمن الرحلات التسعين التي أجريت على أكمل وجه.

أسس الأنظمة الكهربائية

ببساطة، يقوم النظام الكهربائي في الطائرة بإنتاج الطاقة والتحكم بها وتوزيعها على الأنظمة الموجودة داخل متن الطائرة أثناء تحليقها.

كما أنه مشابه للنظام الكهربائي الموجود في المنزل، الذي تمتد فيه الأسلاك في كافة أنحاء المنزل لتنقل الكهرباء من صندوق الدارة الكهربائية إلى الأجهزة والإنارة، وأنظمة التدفئة وغيرها. وفي الطائرة، يقوم النظام الكهربائي بنقل الطاقة إلى جميع الأنظمة الأخرى التي تحتاج إليها – وهي على سبيل المثال النظام الهيدروليكي، وأجهزة مقصورة الطيران، وأنظمة التحكم بالطيران والترفيه على متن الطائرة.

ويبرز فارقٌ هام واحد بين النظامين، حيث يقوم مزود الطاقة بتوليد الكهرباء في المناطق السكنية من مكانٍ آخر ليقدمها إلى المنزل. في المقابل، تقوم الطائرة بتوليد طاقتها الكهربائية الخاصة أثناء الطيران، ولا تحلق بالاعتماد على طاقة البطارية – بل تستخدم مولدات لتوفير الطاقة التي تحتاج إليها.

توليد الطاقة على متن الطائرة

في الطائرة التقليدية، يجري توليد الطاقة من المحركات بطريقتين:

  • المولدات المدعمة بالمحركات، والتي تقوم بتشغيل النظام الكهربائي.
  • تحويل الهواء الساخن وعالي الطاقة من المحركات في نظام الهواء المضغوط.

ولتشغيل أنظمة الطائرة، تعتمد 787 دريملاينر على الكهرباء، لا على تقنيات الهواء المضغوط، كما أنها تعتمد على الكهرباء بصورةٍ أكبر من أي طائرة أخرى من طائرات بوينج. وبصورة مغايرة للطرازات الأخرى، تعمل أنظمة الكهرباء الموجودة على متن طائرة 787 بتشغيل جوانب مماثلة لأنظمة التحكم بالأداء البيئي، وتشغيل المحرك، والأنظمة الهيدروليكية وأنظمة منع تجمّد الجناح. ويقدم هذا النظام المبتكر (المستدام) العديد من الفوائد التي لا توفرها أنظمة الهواء المضغوط ومنها:

  • إلغاء الحاجة إلى الأنابيب الثقيلة والصمامات وأدوات التحكم.
  • إلغاء الحاجة إلى صيانة أنظمة الهواء المضغوط.
  • توليد كمية أقل بكثير من طاقة المحركات.

ولتوليد كمية أكبر من الكهرباء، تقوم طائرة 787 بتوليد قدر أكبر من الكهرباء – حوالي 1.5 ميغاواط أو أربع أضعاف ما تولده طائرات بوينج الأخرى. وتعد هذه الطاقة كافية لتشغيل ثلاثة متاجر (بِقَالة)، أو 400 منزل أو مليوني جهاز (آي بود). ويتمتع النظام الكهربائي في طائرات 787 بكفاءةٍ تشغيلية أكبر، حيث يتم خفض استهلاك الوقود بنسبة تتراوح بين 2٪ و3٪، لأن استخراج الطاقة الكهربائية أكثر فعالية من استخراج الطاقة الهوائية في المحركات التوربينية الكبيرة العالية الالتفافية. ويعد هذا الأمر جيدًا لشركة الطيران والبيئة.

اتخاذ الخيار الصحيح

تطلب تصميم أبرز الطائرات المبتكرة في العالم خياراتٍ فنية قوية ورائدة تقدم العناية اللازمة لتوفير الميزات التشغيلية والوفاء بما قدمته طائرة 787 من وعود. وبصورةٍ أساسية، رأى المهندسون أن هندسة نظامٍ يعتمد بشكلٍ أكبر على الطاقة الكهربائية ستكون الحل الذي سيوفر فوائد ذات قيمة عالية مثل المستويات الأعلى من كفاءة النظام، والتحكم المحسّن بالطاقة، والمراقبة الآلية، بالإضافة إلى المستويات الأعلى من كفاءة استهلاك الوقود، وخفض الحاجة للصيانة، والتكاليف التشغيلية الأقل، وموثوقية البطارية، وخفض معدلات السحب والضجيج.

النظام الكهربائي لطائرة 787

تحتوي طائرة 787 على مولدات أكثر من أي طائرةٍ أخرى لأن أنظمتها تحتاج لكمية أكبر من الكهرباء. وتتضمن الطائرة ست مولدات؛ اثنان منها في كل محرك من محركي الطائرة بالإضافة إلى مولدين يتواجدان في القسم الخلفي من الطائرة ضمن وحدة الطاقة الاحتياطية.

ويحتوي كل محرك على مولدين، يطلق عليهما اسم مولدات بدء التشغيل متغيرة التردد “VFSG”، علمًا بأنها ترتبط مباشرًة بنظام نقل حركة المحرك. وتدعى هذه المحركات (متغيرة التردد) لأنها تولّد التردد بحسب سرعة المحرك. وتعد مولدات التشغيل متغيرة التردد المصدر الأساسي للطاقة الكهربائية لدى تشغيل المحركات. وعلى الأرض، يمكن استخدامها لتشغيل المحركات باستخدام الطاقة التي يتم توليدها من وحدة الطاقة الاحتياطية.

وتحتوي وحدة الطاقة الاحتياطية أيضًا على مولدين لبدء التشغيل. وبصورةٍ مشابهة لتلك المولدات الموجودة في المحركات، فإن مولدات تشغيل وحدة الطاقة الاحتياطية تعتبر المصادر الثانوية للطاقة أثناء الطيران. كما يمكن استخدامها على الأرض لتشغيل الطائرة من دون استخدام أي جهاز أرضي لتوليد الطاقة. ويقوم مولدا بدء التشغيل في وحدة الطاقة الاحتياطية بسحب الطاقة من بطارية مخصصة لذلك أو من مصدر طاقة أرضي لتشغيل وحدة الطاقة الاحتياطية، والتي يمكن استخدامها بعد ذلك لبدء تشغيل مولدات بدء التشغيل متغيرة التردد، التي بدورها تقوم بتشغيل المحرك.

وجرى اختبار النظام بصورةٍ مكثفة على الأرض وأثناء الطيران. وحلقت طواقم اختبار الطيران في رحلات اختبارية استمرت لمدة 5.5 ساعة بمحركٍ واحد مع إيقاف تشغيل خمسة مولدات من أصل ستة، الأمر الذي يظهر بشكلٍ أكبر الإمكانات القوية التي يتمتع بها النظام.

ولا يعني استخدام المزيد من الطاقة الكهربائية ضرورة الاعتماد على البطارية بشكلٍ أكبر. وتعمل طائرة 787 بالطاقة الكهربائية التي تم توليدها أثناء الطيران بواسطة مولدات بدء التشغيل، وليس بطاقة البطارية. وتتوفر البطارية الرئيسية أثناء الطيران لتوفير الطاقة الاحتياطية عندما يتم نقل مصادر الطاقة ولتزويد الطاقة الاحتياطية للأجهزة الأساسية في حالات الفشل نادرة الوقوع. بالإضافة الى ذلك، يتم استخدام البطارية الرئيسية لدعم العمليات الارضية مثل تزود الطائرة بالوقود وتشغيل الفرامل عند سحب الطائرة. كما تتضمن الطائرة ثلاثة مقابس خارجية للطاقة – اثنان منها في مقدمة الطائرة خلف العجلة الأمامية، وواحد بالقرب من ناقل الحركة المخصص للهبوط – الأمر الذي يسمح للطائرة بالحصول على الطاقة الأرضية.

وتتضمن طائرة 787 وحدتين لأجهزة الطاقة الكهربائية بينما تتضمن بقية طائرات بوينج وحدة واحدة. ومعظم أنظمة طائرة 787 تحصل على الطاقة الكهربائية من خلال وحدات خلفية لأجهزة الطاقة الكهربائية وموزعات الطاقة الكهربائية المتواجدة في جميع انحاء الطائرة، وهي أقل وزنًا من موزعات الطاقة في الطرازات الأخرى وتسهم أيضًا في تخفيض الوزن من خلال تقليل عدد الأسلاك. وعلى الرغم من طبيعتها الميالة إلى الطاقة الكهربائية، إلا أن طائرة 787 دريملاينر تحتوي على عددٍ أقل من الأسلاك مقارنًة مع الطائرات التي سبقتها – حوالي 70 ميل “112 كم” مقارنًة مع 90 ميل “145 كم” في طائرات 767.

تصميم غنيّ

يقوم مهندسو بوينج بتصميم الطائرات مع وضع جانبين في الحسبان: تصميم يحول دون وقوع حالات الفشل، وتصميم عوامل الحماية في حال وقوع مثل هذه الحوادث النادرة. ويكمن الهدف الأعلى في تنفيذ عمليات آمنة والحيلولة دون تعريض الطائرة للخطر في حال مواجهتها لحالة فشلٍ فردية.

وتتضمن عملية الاختبار خفض متطلبات الطائرة الشاملة إلى متطلبات خاصة بالأنظمة والأنظمة الفرعية والمكونات، والتحقق من سلامة تلك المتطلبات، وتطبيق الجوانب الهندسية وتحليل النتائج بعد ذلك. وتعمل هذه المنهجية الصارمة لتطوير مجموعة من البيانات المعيارية على التحقق من تلبية التصاميم للمتطلبات والمهمات على النحو المطلوب.

وجرى تصميم أنظمة السلامة، التي تعد جزًء من النظام الكهربائي وتدعمه على متن طائرة 787 لمعالجة عددٍ من سيناريوهات الفشل، وتتضمن مستوياتٍ متعددة من وفورات الطاقة. وتتضمن عمليات فحص التصميم تأمين عدم حصول الحوادث نتيجة حالات فشل فردية، بالإضافة إلى فصل الأنظمة من الناحيتين المادية والوظيفية. وتتوفر طبقات متعددة من وفورات الطاقة، وتتمتع الطائرة بشبكة قوية وجاهزة من الأنظمة الاحتياطية والوقائية.

وقامت طائرة 787 بالتحليق لمدة 5000 ساعة اختبار طيران إضافًة إلى عدد موازٍ من ساعات الاختبار على الأرض، حيث أثبتت هذه الاختبارات أن الطائرة تقدم الأداء المرجو منها وفقاً لما تم تصميمها لأجله. واستكملت طائرة 787 برنامج بوينج الخاص لاختبار التصميم والتحقق منه بالإضافة إلى أقوى برنامج شهادة صممته إدارة الطيران الفيدرالية الأمريكية- والذي شرفت العمل عليه أيضًا.

كاتب

  • م. محمد الشعلان

    ماجستير العلوم في الهندسة الكهروميكانيكية "قسم كهرباء الطائرات -آفيونيكس" وباحث علمي بجامعة بروكسل الحرة. عضو جمعية المهندسين ببلجيكا، وكذا جمعية مهندسي الطيران العسكريين بأوكلاهوما، الولايات المتحدة وحاصل على عضوية رابطة الطيارين بلوكسبورغ.

    View all posts