تخطى إلى المحتوى

حوادث الكهرباء وآثارها على الاقتصاد الوطني (1/2)

كان لاكتشاف الكهرباء أثر عميق في تغيير مناحي الحياة الإنسانية وتغيير أنماطها ومستوياتها، ومنذ ظهور ذلك الاكتشاف العظيم سار ركب التقدم والمدنية قدمًا مع تطور الاكتشافات والاختراعات التي استجدت تباعًا في مجالات الكهرباء واستخداماتها المتعددة، فإذا اعتبرنا أن الماء والهواء هما العنصران الأساسيان لاستمرار الحياة فإن الكهرباء – بلا شك – هو العامل الأساس لاستمرار التقدم والرخاء، إذ دخلت الكهرباء كل أنماط الحياة وازدادت الحاجة لها والاعتماد عليها والاستفادة منها في: المنازل، وفي المدارس، والمكاتب، والمتاجر، وفي المشاريع الصناعية، والتجارية، والزراعية، واستخدمت في وسائل النقل، والاتصالات، والطب، والتبريد والتدفئة، والتسخين وفي شتى مجالات الحياة؛ ذلك لأن الطاقة الكهربائية تتحول بسهولة ومرونة إلى أشكال أخرى من الطاقة ذات مردود كاف وكفاءة عالية كالطاقة الحرارية، والحركية، والضوئية، والصوتية.

لقد أصبح إنسان اليوم يعي تمامًا المنجزات الرائعة والابتكارات المذهلة التي تحققت في مجالات الكهرباء مما يرى لزامًا عليه حسن استخدامها والتعامل معها للاستمتاع بمزاياها الباهرة وفي نفس الوقت الوقاية من أخطارها الماحقة، وحيث إن مزايا ومنافع الكهرباء غير مجهولة بل معروفة لدى الجميع فقد واكب تزايد محطات التوليد وامتداد خطوط النقل واتساع شبكات التوزيع وتنوع استخدامات الطاقة الكهربائية في شتى مجالات الحياة تعاظم الحاجة للشعور بالأمان؛ لأنه قد يحدث بسبب الجهل أو التهاون أو سوء الاستخدام لهذه الطاقة حوادث مأساوية وكوارث مميتة سواء من العاملين والقائمين بتنفيذ وتشغيل وإدارة وصيانة المحطات والشبكات الكهربائية أو من: المستفيدين، والمستخدمين، والمستهلكين، من سكنيين، وتجاريين، وحكوميين، وصناعيين للطاقة الكهربائية، ناهيك عن الخسارة الناجمة من عطب الأجهزة والمعدات المختلفة جراء الاستخدام غير السليم للطاقة الكهربائية والتي تعد في حد ذاتها سليمة وآمنة للعاقل والمتدبر وخطرة ومهلكة للجاهل والمستهتر.

ولما كانت حياة الإنسان هي أغلى ما في الوجود وسلامته هي غاية بذاتها فسوف نبين في هذا المقال مكامن الأخطار الكهربائية وسبل تجنبها ومعالجتها عملاً بقول الرب تبارك وتعالى: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾ 〈النساء:٢٩〉، وقوله جل وعلا: (وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَة) 〈البقرة: ١٩٥〉، وذلك ومن خلال أسلوب سهل ومبسط يحيط بالموضوع وبجوانبه الرئيسية ويبين المتطلبات التي حددتها التعليمات والإرشادات الصادرة من الجهات المعنية وكذلك المواصفات القياسية المحلية والعالمية لتحقيق هذه الغاية التي تعني الحفاظ على مقدراتنا الوطنية ومكتسباتنا الاقتصادية.

إن حوادث الكهرباء قد تتولد إما جهلاً باستخدامها أو من قبيل العبث واللامبالاة بالتعامل معها ولذا تسعى شركات الكهرباء والإدارات المعنية في قطاع الكهرباء إلى وقاية المستخدم والمحافظة على سلامته وحماية مسكنه ومعداته وأجهزته وممتلكاته ضد الحوادث الكهربائية، وذلك من خلال نشر التعليمات التي تهدف إلى توعيته وتبصيره للتعرف على طبيعة الكهرباء وسبل الحماية من كوارثها ومخاطرها المحتملة، حيث إن تلك التعليمات والإرشادات التوعوية تركز على تحقيق عنصر السلامة في التمديدات والتركيبات الكهربائية المنزلية وفي تلك الأجهزة والمعدات التي يتعامل معها المستخدم، فالتيار الكهربائي الذي يمد الأجهزة والمعدات بالطاقة الكهربائية يشتمل على خطرين رئيسيين هما: نشوب الحرائق وحدوث الصعق الكهربائي، وهذان الخطران مبينان كما يلي:

نشوب الحرائق: من واقع سجلات الدفاع المدني للخمس سنوات الماضية يتبين أن الكهرباء تأتي في مقدمة الأسباب التي تُـعزى إليها حوادث الحرائق وما ينجم عنها من وفيات وإصابات مؤسفة وخسائر وتكاليف اقتصادية جسيمة، ولعل من أهم الأسباب الجوهرية وراء ذلك هو جهل الكثير من المستخدمين في التعامل مع الكهرباء إما عند تشغيل الأجهزة الكهربائية أو بسبب رداءة تصميم وتدني تصنيع تلك الأجهزة أو عدم الاهتمام من جانب المستخدمين بالقواعد السليمة والطرق الفنية في التمديدات والتركيبات الكهربائية وكذلك اللامبالاة عند تحميل المقابس أكثر من طاقاتها المقننة لها، وإذا لم يبادر بإخماد تلك الحرائق في مهدها فإنها تنتشر بشكل متسارع مخلفة وراءها مخاطر فادحة وخسائر باهظة في الأرواح والمعدات والممتلكات، ومما يساعد في اشتعالها وربما صعوبة السيطرة عليها في الوقت المناسب هو تواجد مواد قابلة للاشتعال أو الانفجار في مكان اشتعال الحريق أو بقربه، لذلك يجب اتخاذ كافة التدابير الوقائية من أخطار نشوب الحرائق بإزالة مسبباتها ومنع حدوثها أو تحقيق إمكانية السيطرة عليها في حالة نشوبها وإخمادها في أسرع وقت ممكن وبأقل الخسائر وأدنى التكاليف.

الصعقة الكهربائية: إن أخطر ما تسببه حوادث التلامس الكهربائي هو تعرض الأشخاص للصعق الكهربائي إذا لامسوا أسلاكًا مكهربة (تلامس مباشر) أو معدات معطوبة ذات علاقة بالماء كالغسالات (تلامس غير مباشر) مما ينتج عنه أضرار جسيمة لأولئك الأشخاص قد تصل إلى الحروق البليغة أو درجة الوفاة لا قدر الله، ومعلوم أن تعرض الشخص للخطر عند حدوث الصعقة الكهربائية إنما ينتج بسبب مرور التيار الكهربائي في جسمه وأن مقدار الضرر الذي قد يصيبه من جراء ذلك يعتمد على شدة ذلك التيار الكهربائي الذي تعرض له ومساره ومدة سريانه في جسمه، هذا بالإضافة لصحته وعمره. (يتبع 1/2)

كاتب

  • أ. د. عبد الله محمد الشعلان

    أستاذ الهندسة الكهربائية بقسم الهندسة الكهربائية، جامعة الملك سعود تخصص دقيق هندسة القوى الكهربائية، يدخل في التخصص بعض الاهتمامات مثل تخطيط الأنظمة الكهربائية، التمديدات الكهربائية، ترشيد الطاقة الكهربائية، السلامة الكهربائية، استراتيجيات إدارة الأحمال الكهربائية، الطاقات المتجددة، تحسين أداء وتقليل تكاليف الأنظمة الكهربائية، ربط الأنظمة الكهربائية، السيارات الكهربائية، المواصفات القياسية السعودية ذات العلاقة بالكهرباء، مخاطر الإشعاعات الكهرمغناطيسية المنبعثة من خطوط الجهد العالي والأجهزة والمعدات الكهربائية.

    View all posts