تخطى إلى المحتوى

تحقيق في مسألة وجود المضرات على صحة الإنسان من الاتصالات اللاسلكية و التقنية الكهربائية بشكل عام

“الصورة مأخوذة من موقع Housing.com”

يُشار دوماً إلى التقنية الحديثة أنها وراء الآفات الجديدة و الأمراض التي لم تكن منتشرة كما هو الآن في القرون الماضية، و بدءًا من ظهور الجوال في الجيل الأول وصولاً إلى الجيل الخامس و أصابع الاتهام مشارة إليه، حتى التلفاز الذي يسميه الناس “أبو ظهر” كان ينال حقه من التشويه، لكن إن نفينا الاتهامات عن كل ما سبق، فما علة زيادة الأمراض؟ سنناقش هذه القضية بالتفصيل و نقوم بإيضاحها على طول المقال.

صورة[1]: الطيف الترددي للموجات الكهرومغناطيسية كاملاً.

الصورة في الأعلى تحوي الطيف الترددي كاملاً للموجات الكهرومغناطيسية المستخدمة في الاتصالات و التقنية بشكل عام، من يسار الصورة عند الترددات الأقل تأتي ما تسمى بالموجات الراديوية Radio frequency (RF signals)، أولى الاستخدامات التي استخدمت هذا النوع من الموجات كانت في تطبيقات بث الإذاعة AM أولًا، ثم FM ثانياً، ثم توالت التطبيقات المختلفة التي تستخدم الموجات الراديوية، مثل: الاتصالات الخلوية بأجيالها المختلفة، Bluetooth، Wifi، و الرادارات و الأقمار الاصطناعية و إلخ، تردديا مجال الموجات الراديوية يبتدئ من 1 هيرتز إلى 300 جيجاهيرتز، أيضًا بالإمكان التعبير عن 300جيجا هيرتز بطولها الموجي الذي يساوي جزء واحد من ألف جزء من المتر (ميلي متر) بحسب العلاقة الرياضية:

λ=c/f

c: تعني سرعة الضوء (م/ث)، f=تردد الموجة (دورة كل ثانية أو هيرتز)، λ=الطول الموجي (متر).

تشير المعادلة إلى أن العلاقة ما بين التردد و الطول الموجي عكسية، فكل ما زاد أحدهما قل الآخر.

بعد تجاوز عتبة الموجات الراديوية وبالصعود بقيمة التردد فإننا ندخل مجال الموجات دون الحمراء، و بالصعود أيضاً بالتردد ندخل حزمة ما يمكن مشاهدته من الموجات الكهرومغناطيسية بدءًا من الأحمر و هو أقل الألوان تردداً فالبرتقالي و الأصفر ثم الأخضر و الأزرق الداكن (النيلي) وآخر ما يمكن مشاهدته هو الضوء البنفسجي الأعلى تردداً.

صورة [2]: المجال الترددي للضوء المُشاهد بالعين.

و مجدداً يتجاوز تردد الضوء البنفسجي صعوداً عن 750 تيراهيرتز ( مليون جيجاهيرتز) ندخل في حزمة الضوء ما فوق البنفسجي و هو الذي يحوي طاقة فوتون أعلى و طول موجي أقصر، و بحسب ما يوضح شكل [1] فإن ما بعد الضوء البنفسجي تأتي موجات إكس و بيتا و هُن أعلى الموجات الكهرومغناطيسية تردداً و أقصرها طولاً موجياً.

لكل نوع من الموجات تطبيقات خاصة و مناسبة، فالموجات الراديوية كما ذكرنا ناسبها تطبيقات الإذاعة و الجوال و الأقمار الاصطناعية و إلخ، و مجال الضوء دون الأحمر تم استخدامه لبعض الاتصالات قريبة المدى، و بالنسبة للضوء ذو التردد الأعلى من البنفسجي فإنه المستخدم في الألياف البصرية، و موجات إكس لها استخدامات طبية في الأشعة، بالنسبة للضوء المشاهد هناك اقتراحات و أوراق علمية تقترح استخدام الضوء المرئي وسيلة اتصال شبيهة بـ Wifi.

بالنسبة إلى الأضرار الصحية بسبب التعرض للموجات الكهرومغناطيسية، فهي إن كانت تكون على نوعين:

  • تغيرات تأينية.
  • تأثير حراري.

بالنسبة إلى التغيرات التأينية فذرات المواد عبارة عن بروتونات بالمنتصف و إلكترونات تدور حولها، و في حالة نزع أحد الإلكترونات فإن الذرة تكون حينئذ أيون و حتى ننزعه بموجة كهرومغناطيسية ساقطة يجب أن تكون عالية الطاقة جداً و على ذلك يجب أن تكون عالية التردد أيضًا و قصيرة الطول الموجي، المجال الترددي من ناحية قدرة موجاته على تأيين الذرات مقسم على جزئين:

  • موجات غير مؤينة، و أعلاها تردداً الضوء البنفسجي و بقية الألوان و الضوء ما تحت الأحمر و الموجات الراديوية.
  • موجات مؤينة، و أقلها تردداً الموجات التي تعلو الضوء البنفسجي و صعوداً إلى موجات إكس و جاما.

electromagnetic-spectrum

صورة[3]: المجال الترددي كاملاً و موضحًا الموجات من ناحية قدرتها على التأيين، إضافة إلى بعض التطبيقات.

 

و الموجات المؤينة لا يوجد اختلاف مطلقاً على أنها مضرة، بالنسبة إلى الموجات غير المؤينة فإن جسم الإنسان حينما يتعرض إلى هذا النوع من الموجات فإنه يكتسب حرارة نظرًا للقدرة المنقولة فيها و هذه الحرارة إن اختزنها جسم الإنسان ولم يتخلص منها سريعاً؛ فإنها تسبب تغيرات في العمليات الكيميائية داخل الجسم و على ذلك قد تسبب ما لا يحصى من العلل.

لهذا السبب فإن الحكومات على مستوى العالم تسن قوانين على جميع الأجهزة التي تبث موجات كهرومغناطيسية على أن لا تتجاوز حدودًا معينة، فمثلاً بالنسبة لأبراج الجوال تسن الدول سننًا أن لا تتجاوز القدرة في أي متر مربع رقماً معيناً، و للجوالات هناك مصطلح يسمى Specific absorption rate (SAR)  و يقاس بوحدة Watt/Kg و لكل جهاز جوال بأيدينا له قيمة معينة و هذه القيمة يجب أن لا تتجاوز المستويات الآمنة، بالتالي يُضمن أن الجوال لن ينقل حرارة إلى جسم الإنسان بالأخص إلى داخل الرأس.

علميًا لا يوجد أي دليل يربط ما بين أي أضرار صحية و استخدامات التقنية بشكل عام بما أنها تعمل وفق التراخيص الدولية و الحكومية، حتى لو علت تردداتها فهي ستبقى في المجال الراديوي ذو التردد الأقل من تردد الضوء المرئي، أما بالنسبة لزيادة الأمراض و العِلل و الذي نما بالتوازي مع ظهور التقنية و استخدامها فإن زيادة الأمراض في هذه الأجيال عن سابقاتها يعود بالأساس إلى أن الاصطفاء الطبيعي للبشر كان أقوى بكثير عما هو الآن، فالأطفال الذين يولدون و يقضون أياماً أو أسبوعاً في الحضانة ثم يخرجون بصحة و عافية كانوا في عداد الموتى قبل مائة سنة و أيضًا الأطفال الخدج، و كانت أعداد الوفيات بين الأطفال و الشباب عالية جداً بالمقارنة مع المستويات الحالية في هذا القرن، و هكذا فإن الطب ساهم في إخماد الاصطفاء الطبيعي و زاد من نسبة نجاة البشر -بإذن الله- الأكثر عرضة للإصابة بالأمراض.

 

 

للاستزادة أيضًا بهذا المجال فهذا موقع الهيئة الدولية للموجات الغير مؤينة الذي يحوي كثير من الدراسات و الإرشادات: icnirp.org

و هناك كتب متعددة بهذا المجال تدرس تأثير الموجات الكهرومغناطيسية على الإنسان و تفهم وظائفها و كيفية عملها بالإنسان، على سبيل المثال: كتاب Electromagnetics in Biology لناشره Springer.

كاتب