الكهرباء هي الدم الحيوي للمجتمع الحديث، تُشغِّل منازلنا، وتُشغِّل صناعاتنا، وتُسْتدام بها حياتنا. بالرغم من أهميتها اللازمة، فإن توليد الكهرباء ونقلها وتوزيعها ينطوي على شبكة من التنظيمات تهدف إلى ضمان الاعتمادية والتكلفة المناسبة والاستدامة البيئية، في هذا المقال، سنتناول تفاصيل تنظيم سوق الكهرباء،لفهم هياكل سوق الكهرباء، يجب أولاً أن نفهم المراحل المختلفة في رحلة الكهرباء وأدوار كل قطاع : التوليد، النقل، التوزيع والعمليات والتحكم.
منظومة الطاقة الكهربائية:
يتم توليد الكهرباء في محطات الطاقة وتتحرك من خلال نظام يُسمى بالشبكة. تشمل الشبكة محطات كهرباء فرعية ومحولات وخطوط كهرباء تربط منتجي الكهرباء والمستهلكين. يتم ربط معظم الشبكات المحلية معًا للحفاظ على الموثوقية ولأغراض تجارية، مكونة شبكات أكبر وأكثر موثوقية تساعد الموردين على إنتاج كمية مناسبة من الكهرباء باستمرار لتلبية الطلب يبين الشكل 1 رحلة الكهرباء من التوليد حتى المستهلك النهائي.
تندرج جيع مراحل الطاقة الكهربائية تحت ثلاث قطاعات رئيسية :
- توليد الكهرباء: يتم في هذا القطاع إنتاج الكهرباء من قبل مولدات مختلفة، بما في ذلك المحطات الكهرومائية، والمفاعلات النووية، ومحطات الفحم، ومحطات الطاقة الشمسية والرياح، وغيرها. يتم توليد الكهرباء على نطاق واسع ومتنوع لتلبية الطلب المتغير على الكهرباء.
- نقل الكهرباء: مهمة هذا القطاع هي نقل الطاقة الكهربائية من مصادر التوليد إلى مناطق الاستهلاك المختلفة في البلد. يتكون نظام النقل من شبكة عالية الجهد تمتد عبر المناطق الجغرافية المختلفة.
- التوزيع: بعد وصول الكهرباء إلى نقاط الاستهلاك المختلفة، يتولى قطاع التوزيع مهمة توزيع الكهرباء إلى المنازل والمؤسسات والصناعات. تشمل هذه الشركات الكيابل الكهربائية والأجهزة المناسبة لنقل وتوزيع الكهرباء بأمان وفعالية.
يشمل تنظيم سوق الكهرباء مجموعة واسعة من السياسات والآليات المصممة لضبط إنتاج وتوزيع واستهلاك الطاقة الكهربائية. تُطبق هذه التنظيمات غالبًا من قبل الجهات الحكومية أو الهيئات التنظيمية المكلفة بالإشراف على قطاع الطاقة. تشمل أهداف تنظيم سوق الكهرباء:
تعزيز التنافسية: التنافسية أمر بالغ الأهمية لدفع الابتكار وتحسين الكفاءة والحفاظ على الأسعار في مستويات معقولة. تهدف الأطر التنظيمية إلى تعزيز هياكل سوق تنافسية تتيح للموردين العديد من الفرص لدخول السوق والتنافس على العملاء.
ضمان الاعتمادية: إن توفير الكهرباء بشكل موثوق به أمر بالغ الأهمية للحفاظ على الخدمات الأساسية ودعم النشاط الاقتصادي. تُنظم التنظيمات معايير لاعتمادية الشبكة والطاقة الاحتياطية والاستجابة في حالات الطوارئ للحد من مخاطر الانقطاعات.
حماية المستهلكين: يعتمد المستهلكون على الكهرباء لاحتياجات متعددة، من إضاءة منازلهم إلى تشغيل أعمالهم. تُطبق تدابير تنظيمية لحماية مصالح المستهلكين، بما في ذلك شفافية الأسعار وحقوق المستهلكين والحماية ضد الممارسات غير العادلة.
تعزيز الاستدامة: مع المخاوف المتزايدة بشأن تغير المناخ وتدهور البيئة، تركز التنظيمات بشكل متزايد على تعزيز مصادر الطاقة المتجددة وتقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري ودعم مبادرات كفاءة الطاقة.
ولضمان الاعتمادية يلزم التأكد من تحقيق التوازن الكامل بين الطلب والإمداد (الإستهلاك و التوليد) حيث أن الكهرباء تعتبر من السلع التي يصعب تخزينها بكميات كبيرة و لمدة طويلة، لتخزينها تحتاج تقنيات محددة لها تكاليف عالية أو استخدامات محدودة، يتم دراسة الطلب (الإستهلاك) على عدة مستويات (سنوي، موسمي, شهري، يومي، بالساعة، بالدقائق…) يجب على مشغلي النظام أيضًا التأكد من توفير الاحتياطيات التي تسمح بقدرة التوليد ليتم استخدامه إذا كان الطلب يتجاوز العرض، أو العكس، لفترة قصيرة. تتكون الاحتياطيات في كثير من الأحيان من محطات توليد الطاقة التقليدية المرنة، ولكن بعض البلدان مثل أستراليا تستخدم بطاريات كبيرة، ولا يزال البعض الآخر يستخدم الاستجابة للطلب والطاقة المتجددة المتغيرة (مولدات الطاقة مثل الرياح والطاقة الشمسية) لتوفير مثل هذه الاحتياطيات أيضا [1].
تُعتبر أسواق الكهرباء من أهم العناصر في تحقيق توزيع فعّال وعادل للطاقة الكهربائية. تتنوع هذه الأسواق في هياكلها وآلياتها وفقًا لاختلاف السياسات والتشريعات في كل دولة، وتتطور باستمرار لتلبية تحولات قطاع الطاقة والمتطلبات المتغيرة للسوق. في هذا المقال، سنستكشف بعمق مفهوم أسواق الكهرباء وتطبيقاتها المتعددة.
يعكس نظام الكهرباء في مختلف البلدان درجات متفاوتة من التكامل الرأسي. يشير التكامل الرأسي إلى مدى ارتباط مشغلي نظام الكهرباء (ESOs) بشركات توليد وتوزيع الكهرباء. في السابق، كانت العديد من أنظمة الكهرباء متكاملة عمودياً بشكل كبير، حيث كانت إدارة التوليد والنقل والتنسيق التشغيلي والتوزيع والبيع للمستهلكين مسؤولية نفس المؤسسة، غالباً ما كانت تابعة للدولة، ولتوضيح مفهوم التكامل الرأسي – التكامل الرأسي: يشير التكامل الرأسي إلى مدى تحكم الشركة في مراحل متعددة من سلسلة التوريد الخاصة بصناعتها. يتضمن هذا التكامل السيطرة على الإنتاج، والتوزيع، والتصنيع، والبيع بالتجزئة، أو أي مراحل أخرى. على سبيل المثال، يمكن لشركة تعمل في قطاع الكهرباء أن تكون مسؤولة عن توليد الطاقة، نقلها، توزيعها، وبيعها للمستهلكين النهائيين. هذا النوع من التكامل يمكن أن يقلل من التكاليف التشغيلية ويحسن الكفاءة، لكنه قد يحد من التنافسية ويؤدي إلى احتكار السوق-.
ومع ذلك، في العقود الأخيرة، بدأت العديد من الدول في سعيها لتحسين الكفاءة الاقتصادية من خلال عمليات فك التكامل (Unbundling)، حيث تم إنشاء أسواق منفصلة لتوليد وتوزيع وبيع الكهرباء مفتوحة للتنافس.
في القارة الأمريكية، يعتمد نموذج مشغل النظام المستقل (ISO)، حيث يُدير ISOs عمليات تشغيل شبكة النقل، على الرغم من أن الملكية والصيانة قد تكون بواسطة كيانات مختلفة. بينما في أوروبا، يفضل نموذج مشغل النظام المستقل للنقل (ITSO)، حيث يدير كيان واحد كل من العمليات والصيانة لشبكة النقل. تظهر مشغلات النقل التي تم فك تكاملها قانونيًا (LTSOs) والمؤسسات المتكاملة عموديًا (VIUs) درجات متفاوتة من التكامل الرأسي.
مستويات التكامل الرأسي لمشغلي النظام وأنظمة النقل :
1-:Vertically Integrated Utilities (VIU)
- سوق تقليدي لا يوجد فيه تنافس مع موفر واحد للكهرباء مسؤول عن التوليد والنقل والعمليات والتوزيع والبيع بالتجزئة.
- توجد اتصالات فعّالة بين مشغلي التوليد والنقل والتوزيع؛ وهناك إمكانية للحد من تكاليف العمالة والصيانة والتخطيط.
- عدم شفافية في تخصيص التكاليف؛ وعدم وجود إمكانية الوصول إلى الشبكة لشركات التوليد الأخرى.
2- :Legally Unbundled Transmission System Operator (LTSO)
- تتولى شركة منفصلة مسؤولية ملكية وتشغيل شبكة النقل، ولكن يمكن أن تكون هذه الشركة ذات صلة كشركة تابعة لشركة أو مشاركة في قطاعات التوليد والتوزيع أو التجزئة.
- توزيع أفضل لتكاليف النقل.
- عدم الاستقلالية حيث قد تبقى الشركة التابعة لنظام النقل لا تزال شركات التوليد التي ترتبط بمشغل الشبكة كشركة تابعة.
3-:Independent Transmission System Operator (ITSO)
- قد تمتلك شركات التجزئة والتوليد الكهربائية شبكات الكهرباء وتشغيلها ولكن يجب أن تفعل ذلك من خلال شركة تابعة.
- يسمح بالتنافس للوصول إلى الشبكة لشركات التوليد.
- قد تكون هناك صعوبة في تنسيق الأسواق البينية الإقليمية والاستثمار في البنية التحتية المشتركة للشبكة.
4-:Independent System Operator (ISO)
- قد تمتلك شركات التجزئة والتوليد الكهربائية رسميًا شبكات النقل الكهربائية ولكن يجب ترك التشغيل والصيانة والاستثمار في الشبكة بأكملها لشركة مستقلة.
- يسمح بالتنافس بين شركات التوليد.
- مشكلات التنسيق في تبادل المعلومات بين الشركات، وتوزيع تكاليف الاستثمار.
في الأنظمة غير المتكاملة بشكل أكبر، يمكن لموزعي الكهرباء شراء الطاقة من أسواق الكهرباء بالجملة أو مباشرة من المولدات لتوصيلها للمستهلكين. يتمكن المستهلكون من اختيار مورد الكهرباء الخاص بهم، مما يفترض نظريًا تعزيز التنافس للحفاظ على منخفض الأسعار. ومع ذلك، غالباً ما يراقب المنظمون أسواق البيع بالتجزئة لضمان تحقيق التنافسية بشكل فعّال.
يدير مشغلو شبكات التوزيع (DNOs) أنظمة التوزيع المحلية التي تربط شبكات النقل بالمستهلكين. يمكن أن تكون DNOs خاصة وقد تتنافس على الحصول على تراخيص لتشغيل شبكات توزيع إقليمية محددة. ونظرًا لأن الكفاءة تحدد عادةً وجود شبكة واحدة فقط لكل منطقة، يتم تنظيم DNOs لمنع سوء استخدام الاحتكار وحماية المستهلكين.
المراجع:
[1] CIFF MOOC 3 Author: Jonathan Bosch (Imperial College London)
[2] Mallikja Chawla and Michael G. Pollitt, (2013), Global Trends in Electricity Transmission System Operation: Where does the future lie? The Electricity Journal, vol. 26, Iss 5
