دخلت الأجهزة الإلكترونية إلى حياة الفرد مانحةً إياه الراحة، وسرعة تنفيذ المهام بسهولة وفتح آفاق جديدة في جوانب حياته التعليمية والعملية، والاجتماعية والصحية وغيرها حتى صارت من ضروريات الحياة العصرية. مع تقدم الزمن، نتج عن الأجهزة الإلكترونية مشكلة النفايات الإلكترونية حيث تتسلل المعادن الثقيلة من الأجهزة إلى الهواء فتجعله سمًا يهدد التنوع الحيوي في البيئة، وإلى التربة فتصبح قليلة الإنتاج الزراعي والغذائي على مدى أبعد قليلًا وإلى المياه فتصبح مقبرة مائية للمخلوقات البحرية. وبالطبع، الإنسان ليس مُستثنى من خطر المعادن الثقيلة في البيئة، فصحته مهددة بأمراض في الرئة والكلى والكبد والقلب والجهاز العصبي والجهاز الهيكلي. تتجه إحدى تيارات تصنيع الأجهزة الإلكترونية الآن نحو استخدام مواد صديقة للبيئة لتصنيع الإلكترونيات الخضراء لكي تحل محل الإلكترونيات المصنعة من مواد مؤذية للبيئة. ستحقق الإلكترونيات الخضراء أهداف أخرى بجانب الهدف الرئيسي تقليل النفايات الإلكترونية. فاستخدام مواد متوفرة في الطبيعة وسهل الحصول عليها سيجعل منها رخيصة السعر مما سيسد احتياج البلدان النامية إلى الأجهزة الإلكترونية خصوصًا الأجهزة الطبية فتتحقق بذلك المساواة بينها وبين البلدان المتقدمة، واستخدام مواد متجددة سيحل مشاكل تصنيع الأجهزة الإلكترونية المصنوعة من مواد غير متجددة.
يُعبر مصطلح “الإلكترونيات الخضراء” عن صنع الدارات الإلكترونية الأساسية لصناعة أي جهاز إلكتروني من مواد طبيعية ومتوفرة بكثرة في الطبيعة، وقابلة للتحلل، ومتوافقة طبيًا بمعنى أنها لا تؤذي المخلوقات الحية كأن تثير الجهاز المناعي وتسبب مشاكل صحية للإنسان، بالإضافة إلى محافظة هذه المواد على أداء الجهاز الجيد أي امتلاكها الخصائص الإلكترونية والضوئية المناسبة أو قابليتها للتعديل عليها ومنحها هذه الخصائص.
أكثر مادتان تُستخدمان في صناعة الدارات الإلكترونية هما الحرير والورق، لأنه ببساطة جميع المواصفات المذكورة سابقًا تنطبق عليهما. ولكل منهما مميزات إضافية أخرى. فالحرير مثلًا يملك ميزات ميكانيكية وضوئية وإلكترونية تجعله جيدًا في الاستخدام الإلكتروني. من هذه الميزات هي أنه يحسن من جودة البلورات في المواد العضوية الشبه موصلة فيجعله مهيأً للاستخدام كمادة عازلة في أجهزة الترانزستورات الحقلية العضوية، ولديه قابلية نفاذ الضوء المرئي منه، ولذلك فهو مناسب للأجهزة الضوئية الإلكترونية. أما منافسه الآخر الورق أو مادة السليلوز خاصةً فهو متميز بكثرة وجوده على وجه الأرض، ولأن شفافيته عالية ويمتلك هيكل نانوي فريد فهو كمنافسه الحرير مناسب للأجهزة الضوئية الإلكترونية، والجميل فيه أيضًا أن خصائصه قابلة للتغيير حسب طريقة إنتاجه ومعالجته الكيميائية.
من الغريب فعلًا استخدام الحرير والورق في الإلكترونيات. تخيل فقط أن يتعفن جهازك، وهو في جيبك وتفقد كافة بياناتك المهمة … على أية حال، ما تزال الدراسات والتجارب قائمة على الإلكترونيات الخضراء حتى يصل العلماء المُختصون إلى النتائج المرضية في أدائها وكفأتها في الاستخدام.