تخطى إلى المحتوى

تحرير قطاع الكهرباء: المملكة المتحدة، حيث تم وضع المعيار العالمي (خلفية تاريخية)

بالرغم من أن المملكة المتحدة لم تكن في الواقع الدولة الأولى التي بدأت في تحرير قطاع الكهرباء (تشيلي كانت الأولى تاريخيًا)، إلا أن هيكلة قطاع الكهرباء البريطاني يُنظر إليها على أنها النموذج المثالي الذي سُجل في التاريخ بأنه المعيار العالمي. السياسات التى تم تطويرها و الممارسات خلال تجربة المملكة المتحدة اصبحت هي المعايير الذهبية لبقية العالم. توجد ثلاثة هياكل تنظيمية مختلفة لقطاع الكهرباء في المملكة المتحدة: في اسكُتلندا وأيرلندا وإنجلترا. تجربة إنجلترا هي التي اسفرت عن النموذج العالمي.

إذاَ، كيف تم ذلك؟ سبق وأن ذكرنا في المقال السابق أن أصل الفكرة تم أخذه من الأيديولوجية الليبرالية التي تبِعتها النظريات الإقتصادية النيوكلاسكية على المستويين الجزئي والكلي ، بين عام 1973 و 1980. في جانب الإقتصاد الجزئي ، نجد النماذج النظرية للعرض والطلب، ودالة الإنتاج والتكلفة للشركات ، وأُسس توازن السوق التنافسي ، وفهم عيوب السوق (مثل العوامل الخارجية ، والإحتكار ، والمعلومات غير المتماثلة) على سلوك الشركات وأداء السوق كلها إسهامات أكاديمية شكلت الأساس للتحول الجديد [1]. في الإقتصاد الكلي ، تم تطوير عدد مختلف من النظريات لشرح المحددات الرئيسية للنشاط الإقتصادي الكلي وتأثيرات الضرائب الحكومية والنفقات والسياسات النقدية [1]. التحول الفكري الذي بدأ حينها في الظهور (من الدولة إلى السوق) تمت رعايته دوليًا من خلال التحالف القوي بين المملكة المتحدة ، في ظل حكومة مارغريت ثاتشر ، والولايات المتحدة ، تحت رئاسة رولان ريغان ، ليكون العقيدة الجديد لإقتصاد العالمي.[2]

خلال السبعينيات والثمانينيات ، كانت هناك منافسة سياسية شرسة في المملكة المتحدة بين حكومة المحافظين وحكومة العمال. واحد من الأجسام المؤثرة وكان لديه مصلحة قوية في المشهد هو إتحاد عمال مناجم الفحم.  كان الإتحاد من أنصار حزب العمال الذي بدوره يدعم الإتحاد بمختلف السياسات. في عام 1974 أدى إضراب عمال مناجم الفحم إلى إسقاط حكومة المحافظين وإعادة حزب العمال إلى السلطة. في عام 1979 ، إستعاد حزب المحافظين السلطة تحت قيادة مارغريت ثاتشر. في هذه اللحظة، عملة الحكومة الجديدة على تقليص القوة السياسية لإتحاد عمال مناجم الفحم، الأمر الذي كان يشكل أولويات ثاتشر. محطات توليد الكهرباء بالفحم كانت تمثل نسبة كبيرة من مزيج التوليد في المملكة المتحدة ، وبالتالي ، كان لدى الإتحاد قوة كبيرة لرفع تكلفة إنتاج الكهرباء. حكومة ثاتشر سعت على الفور لتنفيز سياسة الخصخصة الوطنية للإقتصاد وحرصت جدًا على التخطيط لمحطات الطاقة النووية. إلى جانب ذلك ، تم وضع سياسات موازية مثل الإلتزام بالتوليد غير الأحفوري لتحويل مزيج التوليد من التوليد بالفحم إلى التوليد من الطاقة النووية تحت السبب الظاهري المتمثل في تقليل إنبعاثات غازات الاحتباس الحراري. كما تم فرض ضريبة على الوقود الأحفوري لتمويل البرنامج النووي وتم تنظيم عملية الخصخصة بالكامل لجعل الطاقة النووية ممكنة اقتصادياً [3]. كل هذا شكل الدوافع الرئيسية وبداية تحرير و إعادة هيكلة قطاع الكهرباء في المملكة المتحدة. من المهم جداَ هنا الإنتباه بإن عملية التحرير وإعادة الهيكلة قد تكون بدافع أجندة سياسية بحتة و بدون دافع إقتصادي حقيقي. وهنا بالتحديد، سنشرح في مقبل المقالات القادمة (إن شاء الله) كيف لعب الدعم السياسي عنصراَ حاسماَ جداَ في تحرير قطاع الكهرباء لدي البلدان الأخرى.

في ذلك الوقت ، كان عدد السكان في إنجلترا يزيد قليلاً عن ال 50 مليون نسمة ويبلغ الطلب على الكهرباء في الذروة 49 جيجاوات. قطاع الكهرباء كان تحت الملكية العامة للحكومة بحكم واقع الحال. كان مجلس توليد الكهرباء المركزية (CEGB) مسؤول من تشغيل جميع محطات التوليد والنقل كإحتكار متكامل رأسياً. كما كان المجلس مسؤول أيضاَ من التوزيع في 12 منطقة مختلفة كإحتكارات إقليمية. ثلاثة أرباع الكهرباء كان يتم توليدها من الفحم و الباقي من الطاقة نووية[4] . بدأت إعادة هيكلة القطاع في عام 1989 بسن قانون الكهرباء حيث تم إنشاء جسم الإدارة العام لإمدادات الكهرباء (DGES) كمنظم مستقل ، بدعم من مكتب تنظيم الكهرباء (Offer). تم تقسيم ال CEGB إلى أربع شركات National Power (NP) ، بمجموع 60 ٪ من محطات التوليد ، PowerGen (PG) ، بمجموع 40 ٪ من باقية المحطات ، شركة الطاقة النووية ، بمجموع 12 محطة نووية ، وشركة NGC ، بأصول شركة النقل ومحطتين تخزين وتوليد بالطاقة المائية. في عام 1990 خصخصت الحكومة (التحويل إلى ملكية تتبع للقطاع الخاص) جميع هذه الشركات بإستثناء شركة الطاقة النووية (التي كانت لا تزال مدعومة من الحكومة ولها مكانة خاصة) إلى أن تم رفع الدعم بالكامل بحلول عام 1996 ، وبالتالي تمت خصخصة آخر جزء من القطاع [4]. شهد العام نفسه إنشاء مجمع الطاقة الكهربائية (حيث يتم بيع وشراء الكهرباء) وبذالك تم تتويج عملية التحرير والتحول الناجح إلى قطاع منظم بالسوق.

سجلت عمليى إعادة الهيكلة و تحرير القطاع مع الإصلاحات السياسية إنخفاضاً ملحوظاً في رسوم التوزيع والنقل فضلاً عن أسعار الكهرباء بشكل عام (ولكن يرجع ذلك إلى حد كبير إلى خفض تكلفة الوقود). كما تم الحفاظ على موثوقية النظام وكفائته عند مستويات عالية، الأمر الذي جعل تجربة المملكة المتحدة مثال يضرب به و نموذج يحتذا به لبقية العالم.

المزيد عن شكل القطاع الجديد وكيفية إنشاء سوق الكهرباء يتبع في المقال القادم ، إن شاء الله.

 


المراجع:

[1] Joskow, P. L. (2004a). New institutional economics: a report card. ISNIE Presidential Address.

[2] Correlje, A. and De Vries, L. ( ´ 2008). Hybrid electricity markets: The problem of explaining different patterns of restructuring. In Competitive Electricity Markets, pages 65–93. Elsevier.

[3] Reitan, E. A. (2003). The Thatcher Revolution: Margaret Thatcher, John Major, Tony Blair, and the Transformation of Modern Britain, 19792001. Rowman & Littlefield.

[4] Newbery, D. (2013). Evolution of the british electricity market and the role of policy for the low-carbon future. In Evolution of Global Electricity Markets, pages 3–29. Elsevier.

[5] Jamasb, T. (2006). Between the state and market: Electricity sector reform in developing countries. Utilities Policy, 14(1):14–30.

كاتب