جائزة نوبل في الفيزياء في سنة 2023 كانت لعلماء فيزيائيين قاموا بتطبيق عملي لتوليد نبضات ضوئية تستمر لا لملي ثانية ولا حتى للنانو ثانية، وإنما وصلت لأدنى من ذلك بكثير، كانت بالأتو ثانية (Attosecond). هذه الأخيرة هي 1-18 ثانية، عدد صغير لا يمكن تصوره.
والهدف من إنشاء هذه النبضات قصيرة الزمن هو لدراسة ديناميكية الالكترونات داخل الذرات، هذا التطبيق لا شك انه يرتبط ارتباطا وثيقًا وواضحًا بالتقدم في مجال الفيزياء، لكن جائزة نوبل في الفيزياء هذه السنة لم تُمنح بسبب تقدم “صريح” بالفيزياء كما سيتم التفصيل في هذا المقال. [1]
لكن قبل هذا، ماهي جائزة نوبل؟
جائزة نوبل
جائزة نوبل هي جائزة تشريفية عالمية مرموقة تُقدَّم سنويًا في ست مجالات وهم: الفيزياء، الكيمياء، السلام، الأدب، الطب، والعلوم السياسية. جائزة نوبل تُمنح سنويًا لمن قدّموا فوائد للبشرية في تلك المجالات المذكورة سابقًا.
شعار جائزة نوبل. مصدر: Wikipedia
جائزة نوبل لسنة 2024
على غير العادة، وبذهول كافة الناس من المهتمين بالفيزياء وغير المهتمين بها على حدٍ سواء، جائزة نوبل لهذا العام في الفيزياء لم تكن تكريمًا يتعلق بتطور في مجال الفيزياء بشكل واضح كالجوائز السابقة، بل كان يتعلق بالذكاء الاصطناعي، وتحديدًا، التعلم العميق (Deep Learning).
الجائزة كانت من نصيب العالميْن جيفري هينتون (Geoffrey Hinton) وجون هوبفيلد (John Hopfield). فأما جيفري فهو عالم كمبيوتر وعالم في علم النفس الذهني. وأما جون فهو عالم فيزيائي وله أبحاث مميزة في مجال الشبكات العصبية منذ القرن الماضي. [2] [3]
المصدر: الأكاديمية السويدية الملكية للعلوم (Royal Swedish Academy of Sciences)
ما هي المساهمات التي قدماها العالمان؟
تم تكريم هذان العالمان لما ساهموا به في تطوير مجال التعلم العميق وبالتحديد في مجال الشبكات العصبونية الاصطناعية (Artificial Neural Networks). بشكل مبسط، الشبكات العصبونية الاصطناعية هي شبكات تحاكي عمل الخلايا العصبية الموجودة في دماغ الإنسان، حيث أنها تتكون من مجموعة من النقاط (أو العصبونات) المتصلة بطريقة معينة تعمل معًا بأهميات وأوزان مختلفة لكل عصبون ومجموعة طبقات (Layers) لتُخرج نتيجة معينة كالصور أو النصوص أو الصوت أو غيرها من أنواع البيانات. [4]
مثال لشبكة عصبونية من طبقتين. المصدر: GeeksForGeeks
جون هوبفيلد قام بتطوير شبكة عصبونية سميت بـ Hopfield Network أو شبكة هوبفيلد والتي تستخدم للذاكرة الترابطية، بمعنى أنها يمكن لهذه الشبكة تخزين الأنماط واعادة خلقها حتى عند اضافة ضوضاء (Noise) للبيانات المدخلة. أما جيفري هينتون فقد استعمل شبكة هوبفيلد وبنى عليها شبكة أخرى مختلفة، والتي سميت لاحقًا بـ Boltzmann Machine أو آلة بولتزمان والتي ساهمت وبشكل كبير جدًا في تطوير أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي التي تُستخدم اليوم. [4]
هل حقًا لا يوجد علاقة بين الفيزياء وتلك الإكتشافات؟
في الحقيقة، العلاقة ليست معدومة أو حتى سطحية كما قد يظن البعض، فالفيزياء متجذرة بعمق في هذين الشبكتين، حيث أن عمل شبكة هوبفيلد بالأساس مبنيٌ على دالة الطاقة المستعارة بشكل مباشر من الأنظمة الفيزيائية التي بطبيعتها تميل الى اتخاذ أقل الحالات طاقة. جون هوبفيلد يحاول محاكاة عملية تصغير الطاقة الفيزيائية هذه لتصغير دالة الخطأ في الشبكة العصبونية. أما العلاقة بين شبكة جيفري هينتون (آلة بولتزمان) بالفيزياء تكمن في إعتماد هذه الشبكة على مبدأ من الفيزياء الإحصائية التي تدرس بشكل أساسي أنظمة بعدد ضخم من الجسيمات وسلوكها العام، في شبكة جيفري هينتون أو آلة بولتزمان، يمكن أن تُرى مكونات هذه الشبكة المكونة من عدد ضخم من العصبونات بعدسة الفيزياء الإحصائية، أي، يمكن التعامل مع هذا العدد الكبير من العصبونات بنفس المبدأ الذي يُستخدم في التعامل مع العدد الضخم من الجسيمات في الفيزياء الإحصائية. للتفاصيل التقنية يرجى زيارة الأوراق العلمية المطروحة عن شبكة هوبفيلد هنا وعن آلة بولتزمان هنا.
التطبيقات
أفكار العالمان جيفري هينتون وجون هوبفيلد الثورية نقلت قدرة نماذج الذكاء الاصطناعي على التعلم الى مستوى متقدم قادر على إيجاد الأنماط المعقدة والتنبؤ بها مما جعل طريق هذه النماذج ممهدًا في مجالات كثيرة كالشبكات الذكية (Smart Grids) والتي تم كتابة مقال مفصل عنها وعن علاقتها بالذكاء الاصطناعي هنا، وكذلك استخدمتا الشبكتان في أنظمة التحكم غير الخطية (Non-Linear Control Systems) لتحسين الأداء والمساعدة في إستقرار الأنظمة. شبكة هوبفيلد يمكن إستخدامها في الإتصالات كذلك لمعالجة الإشارات وتصحيح الأخطاء. [5] [6] [7]
الختام
كما تبين، في الحقيقة جائزة نوبل في الفيزياء هذا العام مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالفيزياء على الرغم من أن الإكتشافات كانت تحت مظلة علوم الحاسب وعلم البيانات، إلا أن الفكرة الأساسية من الشبكتين التين تم إبتكارهما من قبل العالمان جيفري هينتون وجون هوبفيلد كانت تنبع من فكرة إتخاذ الحالة في النظام الفيزيائي أقل طاقة ممكنة (والذي يقابله في مجال التعلم العميق إتخاذ دالة الخطأ في الشبكة العصبونية أقل قيمة ممكنة) وفكرة دراسة سلوك وتصرف عدد كبير من الجسيمات بشكل عام وإحصائي للتنبؤ بالتصرف العام للنظام (ويقابله دراسة سلوك عدد العصبونات الكبير بنفس المبادئ).
المراجع:
[1] https://www.nobelprize.org/prizes/physics/2023/summary/
[2] https://en.wikipedia.org/wiki/Geoffrey_Hinton
[3] https://en.wikipedia.org/wiki/John_Hopfield
[4] https://www.nobelprize.org/prizes/
[5] https://www.jetir.org/papers/JETIR180Z016.pdfhttps://electricengg.com/ai_smartgrid/
[6] https://www.jetir.org/papers/JETIR180Z016.pdf
[7] https://link.springer.com/chapter/10.1007/978-94-011-1604-6_41