في الساعة الرابعة مساءًا من الرابع عشر، أغسطس العام 2003م، كان كوري جاكسون في مصعد إحدى البنايات، إلا أن المصعد توقف بشكل مفاجئ. كان أول ما خطر لجاكسون هو حدوث هجوم آخر مثل هجوم الحادي عشر من سبتمبر، الذي حدث قبل ذلك التاريخ بسنتين. لم يمض وقت طويل حتى خرج جاكسون من المصعد، ليكتشف أن ما حدث هو انقطاع تام في الكهرباء، في أجزاء شمال وشرق الولايات المتحدة الأمريكية بالإضافة إلى ولاية أونتاريو الكندية. الانقطاع الذي بدأ في نطاق شركة First Energy، واستمر لما يقارب اليومين في شهر هو من أكثر الأشهر حرارة في السنة، عانى خلالها سكان هذه المناطق المقدر عددهم بـ 54 مليون من الحرارة في ظل عدم عمل أجهزة التكييف، وظلوا في فوضى عارمة في الطرقات، ومحلات التموين، وفي الظلام الدامس ليلًا! تسبب كل ذلك في إحداث خسارة قدرها 6 مليار دولار.
الشكل 1: صور جويّة توضح المنطقة التي عانت من انقطاع الكهرباء في الرابع عشر من أغسطس في العام 2003
بالعودة إلى أحداث ذلك اليوم والتقارير الرسمية التي حققت في أسباب حدوث هذا الإنقطاع الرهيب، فإن أحد أهم الأسباب الرئيسية هي زيادة الحمل على المحطات، وبشكل أدق زيادة الطلب على الـ Reactive Power في ذلك النهار، وفشل تعامل شركة First Energy مع هذا الطلب.
يصف بعض المهندسون الـ Reactive Power بأنها قدرة مهدرة، لابد من التخلص والتقليل منها قدر الإمكان، فهل يعقل أن يكون هناك طلب على قدرة مهدرة! في هذا المقال سنبيّن عدم صحة هذا المفهوم ، وسنوضح لكم أهمية الـ Reactive Power – قدرة ردة الفعل، وكذلك سنوضح ما هو عمل مصموفة المكثفات Capacitor Bank في الشبكة الكهربائية، وسنربط كل هذا بما حدث في الرابع عشر من أغسطس.
ليكن لدينا حمل كهربائي يحتوي على محرك ما (مضخة، تكييف، مصعد .. الخ)، سيسحب هذا الحمل قدرة ظاهرة من المصدر الرئيسي، تحتوي هذه القدرة على قدرة حقيقية تقوم بالعمل المطلوب من الحمل ( ضخ، تبريد، صعود أو هبوط .. الخ)، وكذلك سيكون هناك قدرة رد فعل، تعمل على إنشاء المجال المغناطيسي في ملفات المحرك النحاسية، وبالتالي دوران ذراع المحرك. أي أن قدرة ردة الفعل لا تقوم بعمل حقيقي أو لا تقوم وحدها بالعمل المطلوب من الحمل والمحرك، رغم أهميتها وعدم قيام الحمل بالعمل المطلوب منه بدونها.
الشكل 2: نموذج مُبسّط لحمل كهربائي حثّي يحتوي على محرك
أي أنه في المثال الشهير لشرح قدرة ردة الفعل وتشبيهها بكأس من شراب الكوكاكولا، والذي يصف فيه بعض المهندسين أن الغازات لا فائدة منها، حيث أن كمية المشروب الحقيقية تمثّل القدرة الحقيقية Active Power or Real Power بوحدة الـكيلو واط kW، بينما تمثّل الغازات والرغوة المصاحبة للمشروب بأنها قدرة ردة فعل Reactive Power لا فائدة منها إذ لن يتم شرب الغازات، قد فاتهم أنه لا أحد يشرب الكوكاكولا بدون غازات! لما لها من دور وضرورة في إضافة الطعم والمتعة.
الشكل 3: تمثيل لمثلث القوى
لنعود الآن للشبكة الكهربائية في شرق أمريكا وولاية أونتاريوا الكندية، ولنتوسّع فيما حدث، حيث كانت هناك أحمال تكييف كثيرة، والمصدر الرئيسي للشبكة له قدرة من الـكيلو فولت أمبير kVA بحيث تكون 800 kW مثلًا و 600 kVAR كقدرة ردة فعل. ارتفاع الطلب على أحمال التكييف في فصل الصيف سيرفع الطلب على قدرة ردة الفعل، بحيث قد تتجاوز قدرة المصدر (أكثر من 600 kVAR)، و بالتالي يزداد الطلب على التيار، بحيث يتجاوز قدرة كابلات النقل، وهذا هو ما حدث في انقطاع العام 2003، حيث ارتفع الطلب على kVAR، وبالتالي ارتفع الحمل المصدَّر من المصدر الرئيسي، حتى أدى لخروجه من الخدمة وبالتالي انتقال هذه الأحمال لمصدر آخر. أدى هذا الانتقال لارتفاع الأحمال المنقولة عبر كابلات المصدر الآخر، حيث تمددت بعضها بفعل ارتفاع الحرارة في فصل الصيف المصاحبة لارتفاع الحمل المنقول، حتى لامست بعض الأشجار ! وهنا حدث التلامس الكهربائي، وخرجت كذلك المحطة عن الخدمة وخرج الأمر عن السيطرة بخروج المحطات تباعًا.
الشكل 4: أثر الحرارة في كابلات النقل
ما العمل إذاً وهذه القدرة مطلوبة لعمل أحمال التكييف والمضخات وأي تطبيق للمحركات؟
هنا يأتي دور مصفوفة المكثفات Capacitor Bank أو تصحيح معامل القدرة، حيث تعمل هذه المكثفات على أن تكون مصدرًا بديلًا للـ Reactive Power الموجود في المصدر الرئيسي، ولذا تعتبر مصدرًا للطاقة وليس حملًا. في المقال القادم سنتعرف على كيفية نشأة الـ Reactive Power، وأنواعها وكيف تعمل هذه الأنواع في تصحيح معامل القدرة للشبكة الكهربائية.
الشكل 5: نموذج لشبكة كهربائية تحتوي على نظام تصحيح معامل القدرة
المصادر:
الشكل (1): Left image source: NOAA/DMSP, taken from Oct. 1, 1994 to March 31, 1995. Right image source: NASA, taken on Aug. 14, 2003
الشكل (2): المصدر
الشكل (3): المصدر
الشكل (4): المصدر
الشكل (5): المصدر