ذكرنا في المقال السابق أحد أهم أسباب حادثة انقطاع الكهرباء في العام 2003 والتي شملت أجزاء شمال شرق الولايات المتحدة الأمريكية وكندا، وكان السبب هو ارتفاع الطلب على قدرة ردة الفعل (Reactive Power) بسبب ارتفاع أحمال أجهزة التكييف خلال فصل الصيف، وكثرة الأحمال على المضخات والتطبيقات التي تلزم وجود محركات لتأدية عملها. ولذا تُضاف مصفوفة المكثفات Capacitor Bank على الشبكات الكهربائية لتكون مصدرًا بديلًا لقدرة ردة الفعل بدل من سحبها من المصادر الرئيسية مثل محطات الطاقة.
فلماذا تساهم أحمال أجهزة التكييف والمحركات عمومًا في ارتفاع الطلب على قدرة ردة الفعل؟ وكيف تكون المكثفات مصدرًا بديلًا لقدرة ردة الفعل؟
هناك ثلاث طبائع أو أشكال للآلات الكهربائية وهي كالتالي:
- طبيعة مقاومة (Resistive) : وهي تستهلك فقط قوة حقيقية Real Power، وتوصف كذلك بتطابق زاوية التيار والجهد كما هو موضّح في الشكل (1) أدناه مع القدرة التي يستهلكها هذا العنصر.
الشكل (1)
- طبيعية حثّية (Inductive): يحتوي الـ Inductor على ملفات مغناطيسية تختلف فيها زاوية التيار والجهد، بحيث يتأخر التيار عن الجهد بزاوية قدرها 90 درجة كما هو موضّح في الشكل (2) أدناه. وينشأ عن هذا التأخر حاجة لقدرة تمثّل ردة فعل على الفرق في الزاوية، وهي قدرة ردة الفعل.
الشكل (2)
- طبيعة مُكثّفة (Capacitive): تقوم المكثفات بتخرين الشحنات الكهربائية لفترة من الزمن في مجال كهربائي تختلف فيه زاوية التيار والجهد بحيث يتقدم التيار عن الجهد بزاوية قدرها 90 درجة كما هو موضّح في الشكل (3) أدناه. وينشأ عن هذا التقدم قدرة ردة فعل تُضخ في الشبكة.
الشكل (3)
إذا قمنا بحساب جميع أنواع القدرات الكهربائية لعنصر حثّي أو مكثّف بالكامل، فسنقوم بالخطوات التالية:
ورغم أنه لا يوجد حمل في الواقع ذو طبيعة حثيّة أو مكثّفة كاملة على سبيل المثال، إلا أنه و مماسبق ومن الشكل (2) و الشكل (3)، يتبيّن لنا أن قدرة ردة الفعل، وبمجرد أن تنشأ حاجة لها في الشبكة، ستظل تتنقل بين مصدرها والحمل الذي يطلبها، ولا تتحول لقدرة حقيقة وتقوم بعمل ما كما قلنا في المقال السابق.
دعونا نوضّح كل ماسبق في النقاط التالية:
- حينما يتأخر التيار عن الجهد بزاوية 90 درجة كما في أحمال وحدات التبريد لإنشاء مجال مغناطيسي داخل ملفات المحرك، يقوم الحمل بداية بسحب قدرة ردة الفعل من المصدر، الذي يكون ذو طبيعة معاكسة إذ يتقدم التيار على الجهد بزاوية 90 درجة، وبالتالي يبدأ بتوفير قدرة الفعل.
- إما أن يعمل المولد الرئيسي للكهرباء على توفير قدرة ردة الفعل حيث يكون في حالة Over Excitation حيث يتقدم التيار بزاوية 90 على الجهد حتى يستطيع توفير هذه القدرة. وبهذا لابد أن تكون جميع البنية التحتية من كوابل ومحطات نقل وتوزيع قادرة على نقل هذه القدرة بالإضافة إلى القدرة الحقيقية (kW).
- وإما أن يتم توفير مصدر بديل لقدرة ردة الفعل تتمثّل في المكثّفات، التي من الممكن أن تكون مصفوفة كاملة مضافة في محطات التوزيع، أو شبكة العميل إذا كانت المنشأة تجارية أو صناعية كبيرة، أو أن تكون عنصر مكثّف صغير في الأحمال النهائية بالنسبة للمنشأت السكنية.
- إذن فتحسين معامل القدرة يكون عبر توفير مصدر بديل لقدرة ردة الفعل بدلًا من سحبها من المصدر الرئيسي، ولا يمكن بأي حال من الأحوال التقليل منها طالما أن الأحمال بحاجة إليها.
- تكمن الحاجة الرئيسية لقدرة ردة الفعل في إنشاء مجال مغناطيسي داخل المحرك حتى يقوم بتأدية عمله والمهام المكلّف بها، كما تم شرحه في المقال السابق.
وبالعودة إلى ماحدث في الرابع عشر من أغسطس في العام 2003، فإن مكثفات المحطة الرئيسية لم تكن تعمل، وعليه فقد ارتفع طلب قدرة ردة الفعل على مولدات المحطة الرئيسية، وأصحبت في حالة Over Excitation لتستطيع توفير هذه القدرة للحمل، حتى تجاوزت قدرة المولد، وحدث الانقطاع التاريخي.
حينما بدأ الإنقطاع الشهير، ورغم الكارثة المقبلة على سكان المناطق المتأثرة، إلا أن الجميع أخرج كل ما يملكه في ثلاجات التبريد من طعام، وشاركه مع الأصدقاء تحت ضوء النجوم والقمر، و شهدت مدينة تورنتو في ولاية أونتاريو الكندية، واحدة من أفضل حفلات الشواء، حيث قام مطعم barberians أحد أشهر مطاعم المدينة بشواء كل ما يمتكله من لحوم وتوزيعها على المارّة، وهكذا صنع سكّان المدينة من أصعب اللحظات.. ذكريات جميلة لا تُنسى!