تخطى إلى المحتوى

شبح الذكاء الفائق في ظل التطور المعاصر

لا تعتريني المخاوف حيال العواقب الناجمة من استخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي، فمع استخدام التطور العصبي، أصبح من السهل انشاء بيئاتٍ افتراضيةً وتطوير الكائنات الرقمية وتسخير نشاطها العقلي لحل مهامٍ متزايدة التعقيد. الآن نتخذ خطواتٍ أوليةً لتطوير الآلات التي يمكن أن تقوم بمهام الملاحة البسيطة واتخاذ القرارات، لكن سرعان ما ستتطور الآلات لتصبح أكثر ذكاءً وقدرةً على تنفيذ مهامَ أكثر تعقيدًا. سنجد الحلول للقضاء على الأخطاء من خلال عملية التطوير، ما يقلل من نسبة النتائجَ الغير مرغوبة. وهناك احتمالٌ آخر هو استخدام التطوّر للتأثير في أخلاقيات الذكاء الاصطناعي، حيث يمكننا إعداد بيئاتٍ افتراضيةٍ لإعطاء مزايا تطويريةٍ للآلات التي تُظهر الجانب الإنساني. ربما هذه وسيلةٌ لضمان تطوّر الخوادم الرقمية.

كباحث سابق في هندسة وعلوم الحاسوب بجامعة هارفارد، فإني لم اتصور بعد ما أريده للذكاء الاصطناعي أن يصل إليه! بالطبع، ذلك لأننا لا نعرف حتى الآن ما هو قادرٌ عليه، لكننا نحتاج إلى أن نقرر ماهي النتيجة المرجوة من تقدمه. يولي الناس اهتمامًا كبيرًا للعمل، ومع ذلك تستطيع الروبوتات القيام بالعمل البدني الشاق والذهني الفائق، فبدلًا من الحصول على المساعدة الطبية في غرفة الطوارئ، يمكن أن يفحص المرضى ويشخص أمراضهم نظامٌ خبير مع إمكانية الوصول الفوري إلى جميع المعلومات الطبية التي جُمِعت. ربما في يومٍ من الأيام ستقوم الآلات بجميع الوظائف البشرية. في مجتمعنا الحالي يتسبب التشغيل الآلي في تسريح عددٍ من الناس من الوظائف، تلك ليست مشكلةً علميةً إلا أنها مشكلةٌ سياسيةٌ اجتماعيةٌ ينبغي علينا كمجتمعٍ حلّها.

إذا استمر الذكاء الاصطناعي في التحسن حتى يتجاوز الذكاء البشري فهل سيجد نظام الذكاء الفائق، أنه لم يعد بحاجةٍ للجنس البشري؟ كيف نبرر وجودنا في مواجهة الذكاء الفائق الذي يستطيع القيام بأشياء لا يمكن للبشر القيام بها؟ والسؤال الرئيسي في هذا السيناريو هو لماذا يجب أن نبقي الذكاء الفائق حولنا؟ أود أن أقول بأن التنوع له قيمةً في حدّ ذاته وأن الكون أكبر من كل سفاسف الأمور؛ لدرجة أن وجود البشرية فيه ربما لا يهم على الإطلاق. إلا أنني لا أتكلم عن البشرية جمعاء ومن الصعب أيضًا أن أجد مبررًا مقنعًا لنا جميعًا. أستشف خطأً كبيرًا عندما ألقي نظرة حادةً علينا جميعًا، نحن نكره بعضنا، ونشن الحروب على بعضنا، ولا نوزع الغذاء والمعرفة بمساواةٍ، إننا فقط نستهلك هذا الكوكب! هناك العديد من الأشياء الجيّدة في هذا العالم لكن وجود كلّ خطأ يُضعف حجتنا. ولحسن الحظ لا نحتاج إلى تبرير وجودنا حتى الآن، لدينا بعض الوقت، وهذا يتوقف على مدى تطور الذكاء الاصطناعي كأنواعٍ يمكن أن تجتمع معًا، والتوصل إلى إجابةٍ جيدةٍ عن السبب في أن الذكاء الاصطناعي لا ينبغي أن يشملنا فقط. إلا أن ذلك سيكون صعبًا، إن القول بأننا نعتنق التنوّع وممارستنا ذلك فعليًا أمران مختلفان، كقولنا إننا نريد إنقاذ الكوكب؛ لهذا نحتاج جميعنا إلى الاستعداد لكافة الاحتمالات الممكنة، وذلك لاستخدام الوقت لشرح ماهية نوع تلك الإبداعات التي يجب أن تسمح لنا بالاستمرار في الوجود أو يمكننا أن نقرر الاعتقاد بأنه لن يحدث أبدًا فينبغي التوقف عن القلق تمامًا، لكن بغض النظر عن التهديدات المادية التي قد تواجه الذكاء الفائق فإنها تشكل أيضًا خطرًا سياسيًا واقتصاديًا، وإذا لم نجد طريقةً لتوزيع ثرواتنا بشكلٍ أفضل فإننا سنعمل على تغذية الرأسمالية بعمال الذكاء الاصطناعي، الأمر الذي لا يخدم إلا القليل جدًّا ممن يملكون جميع وسائل الإنتاج.

الخوف من المجهول

مع ازدياد تعقيد الذكاء الاصطناعي، تركز معظم الاهتمامات العامة على مدى نجاح هذه التقنيات في منافسة البشر في ألعاب الشطرنج وغيرها من الألعاب الاستراتيجية. أصبح من مقدورنا أن نتخذ نهجًا مختلفًا، ففكّك الشبكات العصبية المعقّدة المستخدمة في تعلم الآلة لإلقاء الضوء على كيفية تعامل البشر مع مفهوم التعلُم المجرَّد. في الوقت الذي نعتمد فيه بشكلٍ متزايدٍ على هذه الأنظمة، فمن المهم معرفة كيف تعمل ولماذا. حيث أن الفهم الأفضل للكيفية التي تعمل بها هذه النظم بدورها قادته إلى إدراك طبيعة التعلم البشري. لقد ناقش الفلاسفة أصول المعرفة الإنسانية منذ أيام أفلاطون – هل هي فطرية، مبنية على المنطق؟ أم أن المعرفة تأتي من تجربة حسية في العالم؟

توحي الشبكة العصبية الالتفافية العميقة دي سي إن إن، وهي شبكات عصبية اصطناعية متعددة الطبقات، تحوي عقدًا تحاكي طريقة معالجة الخلايا العصبية البشرية المعلومات وتمرّرها في الدماغ، بأن المعرفة البشرية تنبع من الخبرة، وهي مدرسة فكرية تعرف باسم التجريبية، حيث يمكن استنتاج من طبيعة هذه الشبكات العصبية DCNNs كيفية اكتساب المعرفة المجردة، مما يجعل هذه الشبكات أداة مفيدة في مجالات علم الأعصاب وعلم النفس. أن نجاح هذه الشبكات في المهام المعقدة التي تنطوي على الإدراك والتمييز قد يفوق في بعض الأحيان قدرة العلماء على فهم كيفية عملها. استند بعض العلماء والذين يبنون أنظمة الشبكات العصبية، إلى تفكير الفيلسوف البريطاني جون لوك John Locke وغيره من أصحاب النظريات المؤثرين، فقد كان تركيزهم على النتائج بدلًا من فهم كيف تتقاطع الشبكات مع المعرفة الفلسفية التقليدية عن الإدراك البشري. لملء هذا الفراغ، مع الأخذ في الاعتبار استخدام الذكاء الاصطناعي للتفكير المجرد، بدًء من الألعاب الاستراتيجية إلى التعرف البصري على الكراسي والأعمال الفنية والحيوانات، وهي مهام معقدة بشكل مدهش بالنظر إلى الاختلافات العديدة المحتملة في وجهة النظر والألوان والأسلوب وغير ذلك من التفاصيل. لقد لاحظ الباحثون في مجال الكمبيوتر والتعلم الآلي في الآونة الأخيرة أن المثلث، والكراسي، والقطة، وغيرها من الفئات اليومية من الصعب إدراكها لأنه يمكن مواجهتها في مجموعة متنوعة من المواقف أو الاتجاهات المختلفة التي لا تتشابه فيما بينها فيما يتعلق بالخصائص الحسية منخفضة المستوى، فلا يبدو الكرسي عند النظر إليه من الأمام بنفس المظهر عند النظر إليه من الأعلى.. يجب علينا توحيد كل وجهات النظر المتنوعة هذه لبناء نظام موثوق للتعرف على تلك الكرسي.

للتغلب على التحديات، يتعين على الأنظمة أن تتحكم فيما يسمى بتباين الإزعاج، أو نطاق الاختلافات التي تؤثر عادةَ على قدرة النظام على تحديد الأشياء والأصوات والمهام الأخرى، أو درجة الصوت والنغمة على سبيل المثال. القدرة على حساب واستيعاب هذا التنوع من الاحتمالات هي السمة المميزة للاستدلال المجرد. وقد أجابت شبكات دي سي إن إن أيضًا على سؤال آخر حول التفكير المجرد، حيث ناشد التجريبيون من أرسطو إلى لوك وجود مَلَكات عقلية تجريدية لإكمال تفسيراتهم للكيفية التي يعمل بها العقل، ولكن حتى الآن، لم يكن هناك تفسير جيد لكيفية عمل ذلك! للمرة الأولى، تساعدنا شبكات دي سي إن إن على فهم كيفية عمل هذه المَلَكات التجريدية فعليًا.

دفعت الاختلافات الصارخة بين الذكاء الاصطناعي المبكّر والطرق التي تحل بها الحيوانات والبشر في الواقع المشاكل إلى تحوله نحو الفلسفة. قبل أقل من 10 سنوات، اعتقد العلماء أن التقدم في تعلم الآلة لن تكون لديها القدرة على إنتاج المعرفة المجردة. والآن مع تغلب الأجهزة على البشر في الألعاب الاستراتيجية، واختبار السيارات ذاتية القيادة في جميع أنحاء العالم، ونشر أنظمة التعرف على الوجه في كل مكان من الهواتف المحمولة إلى المطارات، أصبح العثور على إجابات في هذا المجال أكثر إلحاحًا. ونكاد نظن في نجاح هذه الأنظمة في الأماكن التي فشل فيها غيرها، لأنها تستطيع اكتساب نوع من المعرفة الدقيقة والمجردة والبديهية للعالم والتي تأتي تلقائيًا إلى البشر إلا أنه كان من المستحيل حتى الآن برمجتها في الحواسيب.

يُعتبر الحاسب هال 9000 HAL9000 الذي يحلم به مؤلف الخيال العلمي آرثر كلارك Arthur C. Clarke والذي أخرجه إلى النور المخرج السينمائي ستانلي كوبريك Stanley Kubrick في عام 2001 في ملحمة الفضاء A Space Odyssey مثالًا جيّدًا عن فشلِ نظامٍ بسبب عواقبَ غيرِ مقصودةٍ. ففي العديد من النظم المعقدة، كتيتانيك آر أم أس RMS Titanic، مكوك الفضاء ناسا، ومحطة تشرنوبيل للطاقة النووية The Chernobyl nuclear powerplant، قد يعرف المصممون جيدًا طريقة عمل كلّ عنصرٍ على حدة، إلا أنهم لم يصلوا بعد لمعرفة ما يكفي لعمل هذه العناصر معًا! وقد أدّى ذلك إلى إيجاد نظمٍ لا يمكن فهمها أبدًا! ويمكن أن تفشل بطرقٍ غير متوقعةٍ. ففي كلّ كارثةٍ، كغرق سفينةٍ، أو تفجير مكوكين ونشر التلوث الإشعاعي في جميع أنحاء أوروبا وآسيا، فإن مجموعةً من المحاولات الفاشلة الصغيرة نسبيًا قد اجتمعت لخلق كارثةٍ حقيقيةٍ. نستطيع رؤية إمكانية وقوعنا في فخ بحوث الذكاء الاصطناعي نفسه ونحن ننظر إلى أحدث أبحاث العلوم المعرفية ونترجم ذلك إلى خوارزمياتٍ ونضيفه إلى نظامٍ قائمٍ، إننا نحاول في البداية هندسة الذكاء الاصطناعي دون وعيٍ أو ذكاءٍ. تزوّد أنظمةٌ مثل واتسون آي بي إم IBM’s Watson وألفا غوغل Google’s Alpha الشبكات العصبية الاصطناعية بقوة حوسبةٍ هائلةٍ، وتحقق إنجازاتٍ مثيرةٍ للإعجاب. لكن قيام هذه الآلات بأيّ خطأٍ سيجعلها خطرةً. ولا تُعتبر هذه العواقب متغيرةً عالميًا، في الواقع إن أسوأ ما قد يحدث لشخصٍ عاديٍّ نتيجة ذلك هو فقدان بعض المال المرهون على نجاحها. لكن على الرغم من أن تصاميم الذكاء الاصطناعي معقدةٌ وبحاجة آليةٍ أسرع، فإن مهاراتها ستتحسن وسيقودنا هذا إلى منحها مزيدًا من المسؤولية، حتى مع ازدياد خطر النتائج غير المقصودة. فنحن نعلم الخطر البشري الكامن لذا فمن المستحيل بالنسبة لنا خلق نظامٍ آمنٍ تمامًا.

الخوف من سوء الاستخدام

لست قلقًا بشأن العواقب غير المقصودة في أنواع الذكاء الاصطناعي التي أطورها، وذلك لاستخدامي نهجًا يُسمّى التطور العصبي، فأنا أنشئ بيئاتٍ افتراضيةً وأطور الكائنات الرقمية وأسخّر نشاطها العقلي لحل مهامٍ متزايدة التعقيد. ثم يُقيَّم أداء الكائنات واختيار تلك التي تؤدي أفضل إنتاجٍ لتُستخدم في الجيل القادم، فقد تطورت القدرات المعرفية لهذه الكائنات على مدى أجيالٍ عديدةٍ.

الآن نحاول أن نتخذ خطواتٍ أوليةً لتطوير الآلات التي يمكن أن تقوم بمهام الملاحة البسيطة واتخاذ قراراتٍ بسيطةٍ أو تذكّر بضع بتات ,Bites لكن سرعان ما ستتطور الآلات لتصبح أكثر ذكاءً وقدرةً على تنفيذ مهامَ أكثر تعقيدًا. سنجد على طول الطريق الحلول للقضاء على الأخطاء والمشاكل من خلال عملية التطوير. سنحصل مع كلّ جيلٍ على آلاتٍ قادرةٍ على التعامل مع المشاكل بشكلٍ أفضل من الآلات السابقة، ما يزيد فرص وجود نتائجَ غير مقصودةٍ في أساليب المحاكاة، يمكن التغلّب عليها قبل دخول هذه الآلات أروقة العالم الحقيقي. وهناك احتمالٌ آخر هو استخدام التطوّر للتأثير في أخلاقيات الذكاء الاصطناعي، حيث يمكننا إعداد بيئاتٍ افتراضيةٍ لإعطاء مزايا تطويريةٍ للآلات التي تُظهر الجانب الإنساني كاللطف والصدق والتعاطف. ربما هذه وسيلةٌ لضمان تطوّر الخوادم الرقمية كرفقاء جديرين بالثقة وإنقاص عدد الروبوتات القاتلة. في حين أن التطور العصبي قد يقلّل احتمال النتائج غير المقصودة إلا أنه لا يمنع سوء الاستخدام، إلا أن ذلك يُعتبر قضيةً أخلاقيةً وليست علميةً.

التخوف من الأولويات الاجتماعية الخاطئة

بصفتنا باحثين وأفراد مجتمع فإننا لم نتوصل بعد إلى فكرةٍ واضحةٍ عما نريد للذكاء الاصطناعي أن يصل إليه! بالطبع، ذلك لأننا لا نعرف حتى الآن ما هو قادرٌ عليه، لكننا نحتاج إلى أن نقرر ماهي النتيجة المرجوة من تقدمه. يولي الناس اهتمامًا كبيرًا للعمل، تستطيع الروبوتات القيام بالعمل البدني من مثل لحام قطع غيار السيارات، ولربما يؤدون في يومٍ من الأيام بالمهام المعرفية التي نظنها قاصرةً على العنصر البشري، حيث يمكن للسيارات ذاتية القيادة أن تحل محل سائقي سيارات الأجرة والطائرات التي تحلّق ذاتيًا دون الحاجة إلى الطيارين. وبدلًا من الحصول على المساعدة الطبية في غرفة الطوارئ، يمكن أن يفحص المرضى ويشخص أمراضهم نظامٌ خبير مع إمكانية الوصول الفوري إلى جميع المعلومات الطبية التي جُمِعت، إضافةً إلى إجراء الروبوتات بالعميات الجراحية باستخدام يدٍ ثابتةٍ تمامًا ودون تعبٍ. كما يمكن أن تأتي المشورة القانونية من قاعدة بياناتٍ لدائرة المعرفة القانونية، وتأتي المشورة الاستثمارية من نظام التنبؤ بالسوق. ربما في يومٍ من الأيام ستقوم الآلات بجميع الوظائف البشرية.

هناك تساؤل: ما إذا استمر الذكاء الاصطناعي في التحسن حتى يتجاوز الذكاء البشري فهل سيجد نظام الذكاء الفائق، أو أكثر من واحد منهم، أنه لم يعد بحاجةٍ للجنس البشري؟ كيف نبرر وجودنا في مواجهة الذكاء الخارق الذي يستطيع القيام بأشياء لا يمكن للبشر القيام بها؟ هل يمكن أن نتجنب محو وجه الأرض بواسطة آلاتٍ ساعدنا في إنشائها؟ والسؤال الرئيس في هذا السيناريو هو لماذا يجب أن نبقي الذكاء الخارق حولنا؟ نحن وكثير منا قد ساعد في إحضار الذكاء الخارق، لكن يجب أن نشير أيضًا بأن التنوع له قيمةً في حدّ ذاته وأن الكون أكبر من كل تلك السخافات لدرجة أن وجود البشرية فيه ربما لا يهم على الإطلاق. نستشف خطأً كبيرًا عندما نلقي نظرة حادةً علينا جميعًا، نحن نكره بعضنا، ونشن الحروب على بعضنا، ولا نوزع الغذاء والمعرفة أو المعونة الطبية بمساواةٍ، إننا فقط نلوث هذا الكوكب! هناك العديد من الأشياء الجيّدة في هذا العالم لكن وجود كلّ سيئةٍ يُضعف حجتنا. ولحسن الحظ لا نحتاج إلى تبرير وجودنا حتى الآن، لدينا بعض الوقت ما بين 50 و250 عامًا، وهذا يتوقف على مدى تطور الذكاء الاصطناعي كأنواعٍ يمكن أن تجتمع معًا، والتوصل إلى إجابةٍ جيدةٍ عن السبب في أن الذكاء الاصطناعي لا ينبغي أن يشملنا فقط. إلا أن ذلك سيكون صعبًا، إن القول بأننا نعتنق التنوّع وممارستنا ذلك فعليًا أمران مختلفان، كقولنا إننا نريد إنقاذ الكوكب ونجاحنا في ذلك. نحتاج جميعنا، أفرادٌ ومجتمعٌ، إلى الاستعداد لسيناريو الكابوس، وذلك لاستخدام الوقت لشرح ماهية نوع تلك الإبداعات التي يجب أن تسمح لنا بالاستمرار في الوجود أو يمكننا أن نقرر الاعتقاد بأنه لن يحدث أبدًا فينبغي التوقف عن القلق تمامًا. لكن بغض النظر عن التهديدات المادية التي قد تواجه الذكاء الخارق فإنها تشكل أيضًا خطرًا سياسيًا واقتصاديًا، وإذا لم نجد طريقةً لتوزيع ثرواتنا بشكلٍ أفضل فإننا سنعمل على تغذية الرأسمالية بعمال الذكاء الاصطناعي، الأمر الذي لا يخدم إلا القليل جدًّا ممن يملكون جميع وسائل الإنتاج.

الذكاء الاصطناعي وعلاقته بالانفعال الهندسي

يمكن لنظام جديد من “الانفعال الهندسي” تغيير الخصائص المادية والكهربائية والحرارية للمواد. إن تطبيق القليل من الانفعال على قطعة من أشباه الموصلات أو أي مادة بلورية أخرى يمكن أن يشوه الترتيب المُنظَّم للذرات في بنيتها بما يكفي لإحداث تغييرات جذرية في خصائصها، مثل الطريقة التي تنتقل بها الكهرباء، أو ينتقل الضوء، أو تسري الحرارة بها.

ويمكن لاستخدام الذكاء الاصطناعي للمساعدة في التنبؤ والتحكم في هذه التغييرات، مما قد يؤدي إلى فتح طرق جديدة للبحث حول المواد المتقدمة للأجهزة المستقبلية عالية التقنية. تظهر النتائج من خلال صحيفة (وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم) الأمريكية، أُدرِجت بعض درجات الانفعال المرن بالفعل على أساس العمل مسبقًا في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا على بعض رقائق المعالج السيليكون، حتى أن التغير بنسبة %1 في الهيكل يمكن أن يؤدي في بعض الحالات إلى تحسين سرعة الجهاز بنسبة %50 من خلال السماح للإلكترونات بالتحرك عبر المادة بشكل أسرع. أظهرت الأبحاث الحديثة التي أجريت في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وحالياً في جامعة سيتي City University في هونغ كونغ Hong Kong، أنه حتى الألماس، أقوى المواد وأكثرها صلابة في الطبيعة، يمكن أن يمتد بنسبة %9 بشكل هائل دون أي فشل عندما يكون على شكل إبر بحجم النانو، وأظهر لي ويانغ بالمثل أن الأسلاك النانوية للسيليكون يمكن أن تمتد بشكل مرن بواقع أكثر من %15. وقد فتحت هذه الاكتشافات سبلًا جديدة لاستكشاف كيف يمكن تصنيع الأجهزة مع تغييرات أكثر دراماتيكية في خصائص المواد.

ديناميكية الانفعال الهندسي

على عكس الطرق الأخرى لتغيير خصائص المادة، مثل المنشطات أو المنبهات الكيميائية، التي تنتج تغييرًا ثابتًا دائمًا، يسمح الانفعال الهندسي بتغيير الخصائص. فإن الانفعال هو شيء يمكنك تشغيله وإيقافه ديناميكيًا. لكن إمكانيات المواد المقاومة للهندسة قد أعاقتها مجموعة هائلة من الاحتمالات، يمكن تطبيق الانفعال بأي من الطرق الستة المختلفة (بثلاثة أبعاد مختلفة، كل واحدة منها يمكن أن تنتج الانفعال داخليًا أو خارجيًا أو جانبيةً)، ومع تدرجات شبه نهائية للدرجة الواحدة، وبالتالي فإن المجموعة الكاملة من الإمكانيات غير عملية لاستكشافها ببساطة عن طريق التجربة والخطأ؛ حيث إنه ينمو بسرعة حتى 100 مليون عملية حسابية إذا أردنا رسم مساحة الفراغ المرنة بالكامل. هذا هو المكان الذي يأتي فيه تطبيق هذا الفريق الجديد لطرق التعلم الآلي من أجل الإنقاذ، حيث يوفر طريقة منهجية لاستكشاف الإمكانيات والقابلية للضغط على الكمية والاتجاه المناسبين للانفعال لتحقيق مجموعة معينة من الخصائص لغرض معين.

الآن لدينا هذه الطريقة عالية الدقة للغاية التي تقلل بشكل كبير من تعقيد الحسابات المطلوبة. هذا العمل هو مثال على الكيفية التي يمكن بها تحقيق التطورات الحديثة في المجالات التي تبدو بعيدة مثل فيزياء المواد، والذكاء الاصطناعي، والحوسبة، والتعلم الآلي من أجل تعزيز المعرفة العلمية التي لها آثار قوية على تطبيقات الصناعة. ويقول الباحثون إن الطريقة الجديدة يمكن أن تفتح الإمكانيات لإنشاء مواد بعينها ذات دقة متناهية للأجهزة الإلكترونية، والبصرية، والضوئية التي يمكنها العثور على استخدامات الاتصالات ومعالجة المعلومات وتطبيقات الطاقة. مع دراسة تأثير الانفعال الهندسي على فجوة الطاقة، والتي تبرز خاصية إلكترونية رئيسية لأشباه الموصلات في كل من السيليكون والألماس، وباستخدام خوارزمية الشبكة العصبية أصبحنا قادرين على التنبؤ بدقة عالية بكيفية تأثير الكميات والتوجيهات المختلفة للسلالة على فجوة الطاقة. يمكن أن يكون (ضبط) فجوة نطاقها أداة رئيسية لتحسين كفاءة الجهاز، مثل خلية السيليكون الشمسية، عن طريق جعلها تتطابق بدقة أكبر مع مصدر الطاقة الذي صُمّم لتسخيره، من خلال ضبط فجوة نطاقها، على سبيل المثال، قد يكون من الممكن صنع خلية سيليكون شمسيّة تكون فعّالة في التقاط ضوء الشمس كنظيراتها، ولكنها لا تزيد عن الألف من الكثافة. من الناحية النظرية، فإن المادة يمكن أن تتغير حتى من شبه موصل إلى معدن، وسيكون لها العديد من التطبيقات إذا كان ذلك قابلًا للتنفيذ في منتج ذي إنتاج كبير. في حين أنه من الممكن في بعض الحالات إحداث تغييرات مماثلة بوسائل أخرى، مثل وضع المادة في حقل كهربائي قوي أو تغييرها كيميائيًا، فإن هذه التغييرات تميل إلى أن يكون لها العديد من التأثيرات الجانبية على سلوك المادة، في حين أن تغيير الانفعال يكون أقل تأثيرًا في هذا الجانب. على سبيل المثال، فإن الحقل الكهروستاتيكي غالبًا ما يتداخل مع تشغيل الجهاز لأنه يؤثر على طريقة تدفق الكهرباء من خلاله، فتغيير الانفعال لا ينتج مثل تلك التداخلات.

في واقع الأمر يمتلك الألماس إمكانات كبيرة كمادة شبه موصلة، على الرغم من أنها لا تزال في مهدها مقارنة بتقنية السيليكون. إنها مادة مادية للغاية، مع قدرة عالية على الحركة، حيث أن الطريقة التي تتحرك بها ناقلات التيار الكهربائي السلبي والإيجابي بحرية عبر الألماس، ولهذا السبب قد يكون الألماس مثاليًا لبعض أنواع الأجهزة الإلكترونية عالية التردد وإلكترونيات الطاقة. إنه من خلال بعض المقاييس، يمكن أن يؤدي الألماس بشكل أفضل 100,000 مرة من السيليكون، ولكن لها قيود أخرى، بما في ذلك حقيقة أن أحدًا لم يحسب بعد طريقة جيدة وقابلة للتطوير لوضع طبقات الألماس على الركيزة الكبيرة، كما يصعب على المادة (تهدئة) أو إدخال ذرات أخرى في جزء رئيسي من تصنيع أشباه الموصلات. إنه من خلال تركيب المادة في إطار يمكن تعديله لتغيير مقدار واتجاه الانفعال، يمكننا أن نحصل على قدر كبير من المرونة في تغيير سلوكه الشائع. وفي حين ركزت هذه الدراسة تحديدًا على تأثيرات الانفعال على فجوة طاقة المواد، فإن (الطريقة قابلة للتعميم) على جوانب أخرى، والتي لا تؤثر على الخصائص الإلكترونية فحسب، بل أيضًا الخصائص الأخرى مثل السلوك الفوتوني والمغناطيسي. 1% من الإجهاد المستخدم الآن في الرقائق التجارية جعل العديد من التطبيقات الجديدة من الممكن الآن والذي أثبت هذا الفريق ظهور ما يقارب من 10% من الانفعال ممكنة دون كسر، فعندما تصل إلى أكثر من 7% من الانفعال، فأنت بالفعل تغير الكثير في المادة. يمكن أن تؤدي هذه الطريقة الجديدة إلى تصميم خصائص مادية غير مسبوقة، لكن هناك حاجة إلى المزيد من العمل لمعرفة كيفية فرض الانفعال وكيفية رفع مستوى العملية للقيام بذلك على 100 مليون ترانزستور على رقاقة وضمان عدم فشل أيٍّ منها. يقول إيفان رييد Evan Reed الأستاذ المشارك في علوم وهندسة المواد في جامعة ستانفورد Stanford University: “إن هذا العمل الجديد المبتكر يظهر القدرة على تسريع هندسة الخصائص الإلكترونية الغريبة بشكل كبير في المواد العادية عبر انفعالات مرنة كبيرة، إنه يسلط الضوء على الفرص والقيود التي تظهرها الطبيعة لمثل هذا الانفعال الهندسي، وسيكون موضع اهتمام مجموعة واسعة من الباحثين الذين يعملون على تقنيات مهمة”.

ختامًا، يشكل الذكاء الاصطناعي (AI) تطورًا هائلًا في العصر الحالي ويؤثر على جميع جوانب حياتنا. يمكن أن تكون تلك التكنولوجيا ذات فوائد هائلة، ولكنها تحمل أيضًا بعض التحديات، خاصة فيما يتعلق بالأمان والاستدامة. فمن المهم أن نتبنى نهجا حكيمًا لبناء أنظمة AI آمنة ومستدامة لتحقيق أقصى قدر من الفوائد وتجنب المخاطر الكامنة في هذه التكنولوجيا، وهذه هي توصياتي:

فهم التحديات الأمنية: يجب أن نفهم التحديات الأمنية المرتبطة بأنظمة الذكاء الاصطناعي، بما في ذلك الهجمات الإلكترونية واختراقات الأمان. يجب أن نعمل على تعزيز أمان هذه الأنظمة عبر التشفير والتحقق الثنائي والتحديثات الدورية لضمان استمرارية الحماية.

الشفافية والمساءلة: يجب أن تكون أنظمة الذكاء الاصطناعي قابلة للفهم والتفسير من قبل البشر. يجب أن تكون المعايير والمعالم التي تسير عليها الأنظمة واضحة ومفهومة للجميع، وأن يكون هناك مساءلة قانونية وأخلاقية للأشخاص والجهات المسؤولة عن استخدام هذه التكنولوجيا.

التصميم الأخلاقي: يجب أن يتم تصميم النظم الذكية بمبدأ الأخلاق والقيم الإنسانية. يجب أن تتجنب هذه الأنظمة التحيز والتمييز وأن تحمل احترامًا كاملاً للخصوصية وحقوق الفرد.

التدريب الصحيح: تعتمد الأنظمة الذكية على تدريبها على البيانات. يجب أن تتم عملية التدريب بدقة وأمان لتجنب التشويش والتحيز الذي يمكن أن يؤثر على النتائج ويجعلها غير آمنة.

فمن الضرورة الملحة أن نعتمد على التفاعل البناء بين البشر والذكاء الاصطناعي؛ والذي يمكن أن يساعد هذا في تحسين النظم وجعلها أكثر فائدة وأمانًا عندما يتعاون البشر معها بدلًا من الاعتماد عليها تمامًا. لضمان أمان واستدامة أنظمة الذكاء الاصطناعي التي نبنيها، يجب علينا التحرك بحكمة وشفافية. ينبغي أن يكون التصميم الأخلاقي والشفافية والتدريب الصحيح والتفاعل البشري أهدافنا الرئيسية. عندما نبني الذكاء الاصطناعي بأمان واستدامة، يمكن أن نحقق فوائد هائلة للمجتمع والبشرية ككل دون المساس بالأمان والأخلاق.

كاتب

  • م. محمد الشعلان

    ماجستير العلوم في الهندسة الكهروميكانيكية "قسم كهرباء الطائرات -آفيونيكس" وباحث علمي بجامعة بروكسل الحرة. عضو جمعية المهندسين ببلجيكا، وكذا جمعية مهندسي الطيران العسكريين بأوكلاهوما، الولايات المتحدة وحاصل على عضوية رابطة الطيارين بلوكسبورغ.