استقرار الشبكات الكهربائية في ظل التحول الطاقي

يشهد قطاع الطاقة العالمي تحولًا جذريًا يتمثل في الانتقال من الاعتماد على مصادر الطاقة التقليدية نحو مصادر متجددة، كالطاقة الشمسية وطاقة الرياح. إلا أنه يفرض تحديات كبيرة على أنظمة الكهرباء، أبرزها الحفاظ على استقرار التردد والجهد ضمن حدود آمنة. يُعد التردد والجهد عنصرين أساسيين في أي شبكة كهربائية؛ إذ أن أي خلل في استقرارهما قد يؤدي إلى أعطال جسيمة، أو حتى انهيار أجزاء من الشبكة. وفي ظل التوسع في إدماج الطاقة المتجددة، يصبح فهم هذه التحديات وطرح الحلول العلمية والهندسية أمرًا بالغ الأهمية.

في هذا المقال سنتطرق لأهم الخصائص الفنية الأساسية للشبكات الكهربائية والتي يجب ضبطها ومتابعتها بشكل مستمر لضمان استقرار الشبكة و أبرز التحديات التي تواجه هذه الخصائص في عملية التحول الطاقوي.

الخصائص الفنية الأساسية للشبكات الكهربائية:

  • التردد الكهربائي (Frequency)  

التردد هو عدد الدورات الكاملة للتيار المتردد في الثانية (Hz)، وهو عامل رئيسي في تزامن عمل كل عناصر النظام الكهربائي. الحفاظ على تردد ثابت مثل 50 أو 60 Hz ضروري لكي تعمل الأحمال والمولدات بكفاءة.

أي اختلال في التوازن اللحظي بين التوليد والاستهلاك يؤدي إلى تغير في التردد. أنظمة التشغيل التقليدية تعتمد على ثلاث مراحل للتحكم:

  • التحكم الأولي :(Primary Control) تدخل مباشر خلال ثوانٍ قليلة لوقف تغير التردد.
  • التحكم الثانوي :(Secondary Control) يعيد التردد إلى القيمة الاسمية خلال دقائق.
  • التحكم الثالث :(Tertiary Control) يعيد جدولة مصادر الطاقة لتحقيق الكفاءة الاقتصادية.

المولدات التقليدية (المرتبطة ميكانيكياً بالشبكة) توفر دعماً فورياً للتردد بفضل القصور الذاتي الناتج عن الكتل الدوارة، بينما تفتقر مصادر الطاقة المتجددة إلى هذه الخاصية.

  •  مستويات الجهد (Voltage Levels)

الجهد الكهربائي هو القوة الدافعة التي تحرك التيار في النظام. استقرار الجهد ضروري لضمان سلامة وعمل المعدات الكهربائية بكفاءة. يُستخدم الجهد الجذري المتوسط (RMS) كمقياس معياري، وتختلف مستويات الجهد حسب موقع القياس (النقل، التوزيع المتوسط، التوزيع المنخفض). للحفاظ على استقرار الجهد، تُستخدم تقنيات مثل:

  •  AVR (Automatic Voltage Regulators) لتنظيم الجهد عند المولدات.
  •  OLTC (On Load Tap Changers) لتعديل الجهد في محولات النقل.
  •  SVC / STATCOM لتعويض سريع للقدرة التفاعلية في شبكة النقل.
  •  القدرة الفعلية والتفاعلية (Active & Reactive Power)  

القدرة الفعلية (MW) تُستخدم لتشغيل الأجهزة والأحمال. أما القدرة التفاعلية (MVAR) فهي لا تُستهلك فعليًا، بل تُستخدم للحفاظ على مستويات الجهد ضمن الحدود الآمنة، بدون قدرة تفاعلية كافية تتذبذب الفولتية. الطاقة المتجددة لا توفرها تلقائيًا، لذلك تُستخدم المكثفات الساكنة أو STATCOM.

  • القصور الذاتي (Inertia)

القصور الذاتي هو مقاومة الشبكة للتغير المفاجئ في التردد و ينتج من الكتل الدوارة للمولدات التي تُخزن طاقة حركية، في الأنظمة منخفضة القصور، يتغير التردد بسرعة عند حدوث خلل، مما يؤدي إلى تشغيل الحمايات مثل  (RoCoF relays) بسرعة، وانقطاع محتمل للتوليد.

لمزيد من التفصيل في مفهوم القصور الذاتي المقال [ https://electricengg.com/grid-inertia/] .

تحديات دمج الطاقة المتجددة

  • تقلبات الإنتاج :

الشمس لا تشرق دائمًا، والرياح لا تهب باستمرار. هذه الطبيعة المتغيرة تفرض صعوبة في الحفاظ على توازن فوري بين الإنتاج والطلب مما قد يسبب أثاراً مثل:

  • عندما يتجاوز الطلب العرض، ينخفض التردد، مما يستدعي ضخ مزيد من الكهرباء لإعادة التوازن. والعكس صحيح، فعندما يزيد العرض عن الطلب، يرتفع التردد.
  • بعض الأجهزة قد تتحمّل تغيرات بسيطة، لكن أجهزة مثل المحركات تتأثر بشكل كبير، فقد تعمل بكفاءة أقل أو تتلف نتيجة الحرارة الزائدة الناتجة عن التردد الخاطئ.

  • انخفاض القصور الذاتي:

في الشبكات الكهربائية الحديثة، يشكل تحقيق التوازن بين مصادر التوليد التقليدية (مثل محطات الوقود الأحفوري والنووية) والمصادر المتجددة (مثل الطاقة الشمسية والرياح) تحديًا تقنيًا متزايدًا وذلك بسبب أنَّ كل نوع من هذه المصادر له خصائص تشغيلية مختلفة تؤثر على استقرار التردد والجهد.

العلاقة بين القصور الذاتي وعلاقته بالتردد والجهد

  • القصور الذاتي هو العامل الأهم في مقاومة تغير التردد: عند حدوث خلل في التوازن بين التوليد والاستهلاك، فإن القصور الذاتي يعمل على إبطاء تغير التردد، مما يمنح أنظمة التحكم الوقت الكافي للتدخل. في غياب القصور الذاتي، يمكن أن ينهار التردد خلال ثوانٍ، كما يوضح الشكل 1 سلوك تردد الشبكة الكهربائية بعد حدوث طارئ، والفرق بين الأنظمة التي تتمتع بـ قصور ذاتي عالٍ قابل الأنظمة ذات القصور الذاتي المنخفض.

الشكل1. سلوك تردد الشبكة الكهربائية بعد حدوث طارئ.

  • العلاقة بين القصور الذاتي والجهد غير مباشرة، لكنها حاسمة. غياب القصور الذاتي يؤدي إلى تذبذب التردد، والذي قد يتسبب بدوره في اضطراب الجهد، خاصة في ظل ضعف القدرة التفاعلية.

نقص القدرة التفاعلية: المحولات الإلكترونية لا تولّد القدرة التفاعلية تلقائيًا كما تفعل المولدات التقليدية، ما يتطلب تدخلات إضافية للحفاظ على استقرار الجهد.

يُبين الجدول 1 الحلول التقنية لتعزيز استقرار الشبكة.

الجدول1. الحلول التقنية لمعالجة لتعويض القصور الذاتي.

الحلآلية العملالفعاليةالملاحظات
القصور الذاتي الصناعي (Synthetic Inertia)يتم حقنه عبر محولات إلكترونية تحاكي استجابة القصور الذاتي التقليدي.عالية في أول ثوانٍيُستخدم في توربينات الرياح الحديثة.
البطاريات السريعة (BESS)تعطي أو تسحب طاقة خلال أجزاء من الثانية للمساهمة في تثبيت التردد.متوسطةمفيدة لدعم الشبكة لحظيًا.
مولدات Grid-Formingمحولات إلكترونية تُحدد خصائص الشبكة بدلاً من تتبعها (مثل التردد والجهد).عالية جدًامستقبل التحكم في الشبكات الضعيفة.
Flywheel Systemsأنظمة ميكانيكية تدور وتخزن الطاقة الحركية ثم تُحقن عند الحاجة.متوسطةفعالة لكن مكلفة وتحتاج مساحة.
تحسين توزيع الأحمال والتحكم الذكيتقنيات التحكم في الطلب لتخفيف العبء فورًا عند فقد التوليد.داعم جزئيمكمل للقصور وليس بديلًا مباشرًا.

التوازن كخيار استراتيجي

تشير التجارب الدولية إلى أن الاستغناء الكامل عن مصادر الطاقة التقليدية لصالح المتجددة يهدد استقرار الشبكة. الحل الأكثر فعالية هو إيجاد توازن مدروس بين المصادر التقليدية والمتجددة، بحيث تضمن الشبكة خصائص القصور الذاتي والقدرة التفاعلية، إلى جانب الاستفادة من تقنيات التخزين والتحكم الذكي.

يُعد نهج “الاقتصاد الدائري للكربون” الذي تتبناه المملكة العربية السعودية مثالاً عملياً على هذا التوازن، حيث يهدف إلى الاستخدام الأمثل لجميع مصادر الطاقة، مع التركيز على تقليل الانبعاثات وتحقيق الاستدامة دون التضحية بموثوقية الإمدادات الكهربائية.

في الختام، لا استدامة بدون استقرار، ولا استقرار بدون توازن، التوازن الذي يجمع بين الموثوقية التشغيلية والاستدامة البيئية، يتطلب التحول الطاقي نهجًا مدروسًا يعتمد على التوازن بين المصادر والاستثمار في تقنيات دعم استقرار الشبكة  لبناء شبكات كهربائية مرنة وآمنة قادرة على تلبية متطلبات المستقبل.

المراجع:

[1] J. Morren, S. W. H. de Haan, W. L. Kling, and J. A. Ferreira, “Wind turbines emulating inertia and supporting primary frequency control,” IEEE Transactions on Power Systems, vol. 21, no. 1, pp. 433–434, Feb. 2006.

[2] International Renewable Energy Agency (IRENA), “Battery Storage for Grid Services: Market Developments and System Integration,” Jul. 2022.

[3] M. C. Soriano et al., “Grid-forming Inverters: Control Strategies and Challenges,” National Renewable Energy Laboratory (NREL), 2022. [Online]. Available: https://www.nrel.gov/news/program/2022/grid-forming-inverters.html

[4] Energy Storage Association (ESA), “Flywheel Energy Storage,” 2019. [Online]. Available: https://energystorage.org/why-energy-storage/technologies/flywheels/

[5] U.S. Department of Energy, “Benefits of Demand Response in Electricity Markets and Recommendations for Achieving Them,” Smart Grid Task Force, Feb. 2019. [Online]. Available: https://www.energy.gov/oe/activities/technology-development/grid-modernization-and-smart-grid/demand-response

مشاركة المقالة على :
فيسبوك
منصة 𝕏
لينكدن
واتساب
البريد الاكتروني