تاريخياً تزامن ظهور فكرة تحرير قطاع الكهرباء مع الأيديولوجية الليبرالية و التي كانت اكبر موضوع جدل من ضمن الثلاثة معايير الذهبية لمشروع التنوير في الغرب. الثلاثة معايير هي: ليبرالية المجتمع ورأسمالية الإقتصاد وديمقراطية الحكم. فكرة الليبرالية بتجرد شديد هي التخلص من الديكتاتورية وتحرر المجتمع. لكن بداية القرن العشرين شهدت فشل كبير في المشروع الليبرالي بظهور احكام ديكتاتورية في الغرب و ظهور إنتقادات قوية للأيديولوجية نفسها (نقد كارل شميت واحد من أفضل الإنتقادات البناءة بالنسبة لي شخصياَ). رغم ذلك ما لا يمكن إنكاره أن مشروع التنوير أحتوى على أفكار كثيرة لعبت دور كبير في تشكيل المستقبل الذي نعيشه. من ضمن الأفكار التي تعد ذات نتائج جيدة، هي فكرة تحرير قطاع الكهرباء.
بالرغم من أن هذا المقال يبدأ بتوجه فلسفي و أن الفكر الليبرالية لتحرير قطاع الكهرباء في حد نفسها بدأت كوجهة نظر فلسفية، إلا أنها بعيد كل البعد عن الفلسفة. بل بالعكس، اقرب الي المجال التقني إلى حد ما. في مقبل المقالات القادمة، سنناقش فكرة “تحرير (لبرلت) قطاع الكهرباء” تحت فرضية انها ستساهم في تطور القطاع إلي الأفضل. ومن هنا يتضح أن المقال يتبنى الجانب الذي يجادل بوجود فوائد كثيرة من تحرير قطاع الكهرباء ولكن سنتطرق إيضاً في هذه السلسلة لوجهات النظر التي لاتعدم هذا الإتجاه. السؤال الذي يطرح نفسه إذاَ، لماذا هذا الموضوع تحديداَ؟ لأن فهم هذا الموضوع مهم جدا لمعرفة تطور قطاع الكهرباء إلي الحال الذي هو عليه اليوم وفهم نشأة سوق الكهرباء و كثير من السياسات المصاحبة لطريقة تنظيم السوق الكهربائي.
هذا المقال عبارة عن مقدمة فقط ومقصود به أن يكون بداية للسلسلة وتكوين التوجه العام. لذلك لن نشرع في تفاصيل كتيرة هنا للتبسيط. بصورة مماثل للقصد من التحرر في المجتمع (التخلص من الديكتاتور)، تحرير قطاع الكهرباء معني به التخلص من الإحتكار الذي عادة ما يكون في يد شركة مملوكة للحكومة او الدولة و تكون مهيمنة على القطاع كاملاً. تاريخياً، قطاع الكهرباء قام بشكل طبيعي كقطاع إحتكاري حكومي لأسباب عديدة: بشكل بارز، بسبب طبيعة الشبكة بالإضافة إلى تكلفة الإستثمار الأولية الضخمة المطلوبة لبناء البنية التحتية.
إذاَ، السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا نريد تغيير قطاع احتكاري بطبيعته؟! لأسباب مختلفة: الفشل التاريخي (و أيضاَ المعاصر في كثير من البلدان النامية) للدولة و الحكومة في تطوير القطاع، بالإضافة الي الحجج النظرية البحتة التي تستنتج عدم كفاءة الإحتكار (استنادًا إلى نظريات الإقتصاد النيوكلاسك ولاحقاَ دعمتها نظريات الإقتصاد المؤسسي الجديدة) .
أثبتت تجربة العديد من الدول أن تحرير قطاع الكهرباء يؤدي إلي زيادة الكفاءة الاقتصادية للقطع وتحسين التنمية فيه [1-3]. فكيف يتم تحرير قطاع الكهرباء؟ لمعرفة ذلك، سنبداء بالمملكة المتحدة – بريطانيا ، حيث تم وضع المعيار العالمي لتحرير القطاع!
يتبع في المقال القادم إن شاء الله.
المراجع:
[1] Jamasb, T. and Pollitt, M. (2005). Electricity market reform in the European Union: review of progress toward liberalization & integration. The Energy Journal, 26(Special Issue).
[2] Joskow, P. L. (2006). Introduction to electricity sector liberalization: lessons learned from cross-country studies. Electricity market reform: an international perspective, 1:1–32.
[3] Weigt, H. (2009). A review of liberalization and modeling of electricity markets. Available at SSRN 1483228.