تخطى إلى المحتوى

علمني التخصص (الهندسة الكهربائية)-الجزء الأول


الإنسان يمر بمحطات كثيرة في حياته، ولا شك في أن أول المحطات تبدأ حينما يخرج إلى الدنيا ويبصر نور الحياة وأن آخر محطة ينتهى بها رحلة الحياة هي حينما يواري الثرى ويوسد تحت التراب، وبين هاتين المحطتين محطات كثيرة و لكل محطة من هذه المحطات خصائص وميزات.

من المراحل المهمة في حياة الإنسان هي المرحلة الجامعية، حيث تتوسع فيها مدارك الإنسان وينضج فيها عقله وينظر للحياة نظرة فاحصة و مختلفة وثاقبة.

ومن توفيق الله لي أنه اختار لي التخصص المناسب الذي أحببته (الهندسة الكهربائية)، ففي أثناء دراستي الجامعية تشكلت عندي الكثير من المفاهيم وتغيرت نظرتي وطريقة تفكيري لكثير من الأمور في الحياة.

وهذا التأثير لا يقتصر فقط على نظرة الإنسان للحياة والناس حوله وفي تقييمه للأمور وطريقة تعامله معها فحسب ، فهذا أمر يشترك فيه أغلب من ينضمون للجامعات على اختلاف تخصصاتهم!

فالمرحلة الجامعية لها تأثيرها على الإنسان في حياته كلها بشكل عام، ولاشك أن هناك تأثيراً خاصاً على الطالب من خلال التخصص الذي اختاره ونال شهادته عندما يتخرج من الجامعة.

وهذا هو الهدف من كتابة هذه السلسلة، حيث أحببت أن أوضح هذا التأثير الذي تركه تخصص الهندسة الكهربائية في عقلي وتفكيري بل وفي حياتي.

فأترككم مع وصف سريع لهذه الرحلة التي استمرت لمدة أربع سنوات في مقاعد الدراسة وأروقة الجامعة، ومختبرات قسم الهندسة الكهربائية بل وحتى في مكاتب الدكاترة ورئيس القسم. 

علمني التخصص أن الكمال مستحيل و لا يوجد أي شيء كامل في هذه الحياة فكل شيء يعتريه النقص والقصور،  ومهما اجتهد الإنسان في أي عمل  واستفرغ جهده وطاقته في إنجازه فإنه لابد أن يكون هناك شيء فيه خلل أو نقص.

هذه القاعدة الذهبية وجدتها في النظريات التي درستها وفي التجارب التي أجريتها مع زملائي في المختبرات بل وجدتها حتى في المشاريع التي يشرف عليها الدكاترة، ولا أبالغ إن قلت أنها أيضاً موجودة في أحدث التقنيات المعاصرة التي نراها من حولنا أو نستخدمها.

وقد تشكلت هذه القناعة من خلال بعض العبارات التي نسمعها دائماً في التخصص ونتعامل معها في المختبرات أثناء إجراء التجارب وأخذ القراءات، مثل: (نسبة الخطأ)، و(الكفاءة)، و(قدرة التحمل).

فلكل جهاز أو نظام أو منتج في الحياة: نسبة خطأ، ومدة صلاحية، وكفاءة، وقدرة، ومهما تطورت التقنيات وطرق الإنتاج فإنه ولابد من أن يكون هنالك نسبة خطأ ولو كانت صغيرة جداً.

فالقطع الإلكترونية الصغيرة التي من خلالها نتمكن من صنع أي جهاز إلكتروني، مثل: (الريسيستارز، الكاباسيتوزرز، الدايودز، الترانزيستوزر، ….)، فإن أرقامها وقيمها لا تكون دقيقة جداً ولا بد أن يكون هنالك نسبة خطأ.

على سبيل المثال نجد في مختبر الدوائر الكهربائية ومختبر الإليكترونيات ريسيستور (مقاومة) مكتوباً عليه أن قيمته 100 أوم، وعند قياسه بالميلتيميتر نجد أن قيمته ليست 100 وإنما 99.3 مثلاً وهذا الشيء موجود في كل القطع الإلكترونية.

بل حتى الميلتيميتر نفسه (الذي نقيس به التيار والجهد الكهربائي وكذلك  العديد من الوظائف) فإن به نسبة خطأ عند القراءة، وهذا الكلام ينطبق على: البوار سورس، والفريكوانسي جينيريتار، والاوسيلاسكوب، وينطبق على كل شيء.

وكذلك أجهزة القياس المتطورة التي نستخدمها في المختبرات والتي تعتمد على الكمبيوتر (وهو أحدث ما توصل إليه العقل البشري)، فإن بها نسبة خطأ قلت أو كثرت وهناك الكثير والكثير من الأمثلة التي لا يكفي المقام لذكرها في هذه العجالة.

وعندما يأتي الحديث عن الكفاءة (الافيشينسي)، فإننا نجد أن  هناك الكثير من العوامل الداخلية والخارجية والتي تؤثر سلباً على كفاءة الجهاز كا: (المحول الكهربائي، والمولد الكهربائي، والمحرك الكهربائي).

و مهما بلغت قوة وجودة الإنتاج ومهما كانت التقنيات المعاصرة حاضرة ومستخدمة في التصنيع، فإنه لا يمكن ويستحيل الحصول على كفاءة بنسبة 100%.

وليس المقام هنا مقام ذكر لهذه العوامل التي تلعب دوراً هاماً في تقليل الكفاءة الكهربائية، فبعض هذه العوامل داخلية ولا يمكن الاستغناء عنها لتصنيع الجهاز وهي في نفس الوقت تقلل من الكفاءة شئنا أم أبينا، وهنالك عوامل خارجية طبيعية لا يمكن فصلها ولا بد من أخذها بعين الاعتبار.

فالهدف هو إيضاح القصور والنقص الذي يعتري كل شيء في هذه الحياة، فلا يوجد إنسان كامل ولا بناء كامل ولا نظام إليكتروني كامل ولا أي شيء كامل، فالواجب على الإنسان أن يعرف هذا النقص المرتبط فيه وبمن حوله فلا يتكبر ولا يترفع على غيره ولا أن يخالف قوانين الحياة فيمشي عكس التيار ويظن أنه كامل لا نقص ولا عيب فيه.

وعلى الجانب الآخر، فعلى الإنسان أن يسعى سعياً حثيثا في التطوير والتدريب والتعليم ومحاولة تقليل الأخطاء والحد منها حسب القدرة و الإمكان ..

والحياة ميدان تنافس وحلبة تحدي ينجح فيها من جد واجتهد ومن توكل على الله و اعتمد.


انتهى الجزء الأول.

كاتب

  • م. عبدالله رشيد

    مهندس كهربائي محترف و معتمد في إدارة المشاريع PMP وإدارة المخاطر RMP وخبرة عملية 8 سنوات في مجال المشاريع والصيانة. خريج جامعة الأمير محمد بن فهد في تخصص الهندسة الكهربائية بمرتبة الشرف.