الكهرباء من حولنا ليست مجرد تشغيل إنارة أو إغلاقها كما قد يتصور المستخدم العادي، فكل ما يدور في هذا المجال هو مبني على تخطيط وقرارات وعمليات تشغيلية وإدارة فنية تدور في الكواليس، ما يهمنا هنا أن كل هذه العمليات تعتمد في النهاية على اتخاذ القرارات والتي بناء عليها قد تتحقق الأهداف أو من جهة أُخرى قد يترتب على ذلك أشياء ملموسة مثل الخسائر الغير مرغوبة سواءً مباشرة على أجزاء المنظومة الكهربائية وتكلفتها التشغيلية أو غير مباشرة كتأثر موثوقية الخدمة الكهربائية على المستهلكين، لذلك أي قرار في عالم أنظمة الطاقة والخدمات لا بد أن يكون مدروساً بعناية مهما كان القرار صغيراً فمثل هذه القرارات قد يكون تكرارها بالآلاف يومياً، وبناءً عليها يؤمل سير العمليات بكافة أنواعها على ما يرجى منها.
ولكن من أجل قرارات ناجعة يجب أن تكون مدروسة بعناية ليس من وحي التأمل والخيال أو حتى المراهنة على الخبرات السابقة بل من واقع بيانات لحظية كافية قد تتغير ما بين الفينة والأخرى بناءً على عوامل عدة، فمثلاً قد لا يكون الإمداد أو الاستهلاك كما كان متوقعاً في هذه اللحظة أو قد يفشل عمل أي جزء من معدات أو أجهزة المنظومة الكهربائية مما قد يؤدي إلى الإخلال بالخطط الموضوعة سابقاً، أو حدوث ظرفاً جوياً غير متوقعاً، أو خطأ بشري لم يكن مقصوداً وهلم جراء كل هذه المتغيرات اللحظية ينتج عنها قرارات يصعب مجاراتها بشرياً حتى على أفضل من عرفهم المجال خبرة وحكمة، ذلك أن الصعوبة تكمن في مجاراة الزخم السريع للمتغيرات الحاصلة في كافة أجزاء الشبكة الكهربائية وما يحيط بها ومن يستفيد منها أو من يزودها وكل ما هو له علاقة بهذه المنظومة المعقدة، لذلك نجد أن الأتمتة مهمة جداً لتخفيف هذا العبء الروتيني الذي يمكن من خلاله توفير الطاقات البشرية لما هو أهم وأجدى.
أيضاً حتى وإن وجدت الخبرات البشرية الكافية فدعنا نتخيل السيناريو التالي:
نعرف جميعاً أن الخبرات البشرية تراكمية تبدأ من مستوى منخفض وصولاً إلى أعلى قدر من الخبرة نتجت مع السنين الطويلة ومن الاحتكاك المباشر والتعلم عبر التجربة والخطأ، ولكن ماذا بعد انتهاء خدمة هؤلاء الأشخاص ذوي الخبرة والباع الطويل؟ ليس هناك وسيلة لنقل الخبرات البشرية التي نعرفها في يومنا الحاضر عبر النسخ واللصق مثلاً لا بد من الإحلال بأفراد آخرين وهنا نعول فقط على سياسات الإحلال التي قد تفشل أو تخطيء والتي تعتمد بالأصل على توافر البدلاء المناسبين لإحلالها بالخبرات التي قدر لها انتهاء خدمتها، ولكن ماذا عن الآلات المؤتمتة التي يمكن لها أن تكتسب خبرات متراكمة وتظل تعمل بلا كللٍ ولا مللٍ على مدار الساعة، حتى وإن قدر لمعدات أو أجهزة الشبكات الكهربائية الحالية التلف فيمكن نقل الخبرات المكتسبة من القديم فوراً بل ومسبقاً مع آخر يحل محل القديم، ليس هذا فحسب بل حتى يمكننا أن نستنسخ أكثر من مكون يحمل ذات الخبرات لكي تعمل بالتوازي جنباً بجنب تكيفاً مع الضغط الشديد الذي قد تتعرض له المنظومة.
إذاً كما ترى فالإدارة الناجعة سواءً كانت بشرية أو مؤتمتة يجب أن تكون دوماً منقادة بالبيانات الكافية وهذا ما يطلق عليه باللغة الإنجليزية (Data-driven management)، لطالما كانت العمليات التشغيلية OT في السابق تعمل بمعزل عن العمليات التقنية IT وبالتالي فإن الوصول إلى البيانات التي تتعلق بكلتا العلميتين تتم بمعزل عن بعضهما البعض، وعندما نتحدث عن الدمج بين الـ (IT وOT) فإن ما يهمنا بالفعل هو أن تساهم البيانات الناتجة كلتا العمليتين مع بعضها البعض حتى نتمكن من استخراج قيمة منها تساعدنا في تحسين المهام الإدارية سواءً على مستوى اتخاذ القرار Decision making أو التخطيط Planning، أو العمليات التشغيلية Operations، أو الصيانة Maintenance، أو العمليات الفنية field-Technical Operations، أو إدارة الاصول Asset ،management وإلخ من الأعمال ذات العلاقة بالشبكات الكهربائية.
سنتحدث بمشيئة الله عن الفوائد الممكنة والتحديات من الدمج بين العمليات التشغيلية والتقنية بعمق أكبر في قادم المقالات.