تصل الكهرباء إلى المنازل والأسواق والمباني والمصانع وغيرها عبر رحلة مليئة بالتغيرات والتقلبات، تبدأ من مرحلة الإنتاج في محطات توليد الكهرباء بواسطة سلسلة من عمليات حرق الوقود، مثل: الديزل، والزيت الثقيل، والغاز الطبيعي، والفحم، أو بواسطة عمليات أكثر تعقيداً، مثل: استخدام الطاقة النووية أو بواسطة مصادر الطاقة المتجددة، مثل: الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح، أو الطاقة المائية _عند وجود مصب مياه مستمر مثل: السدود، والأنهار حيث يتم تركيب توربينات تعتمد على قوة جريان ودفع الماء لإنتاج الكهرباء_ وتسمى هذه المرحلة بمرحلة توليد الكهرباء، وتعتبر الطاقة المتجددة أحد حلول توليد وإنتاج الكهرباء عالمياً لكنها لم تستطع حتى الآن من تقليل تكلفة إنتاج وبيع الكهرباء بشكل مباشر والذي لم ينخفض عبر السنين بالرغم من انخفاض تكلفة تصنيع أنظمة الطاقة المتجددة وانخفاض تكلفة إنتاج الكهرباء منها، ويشير المتوسط العالمي لسعر الكهرباء والبالغ 50 هللة لكل (كيلو واط.ساعة) إلى أن حلول الطاقة المتجددة وتحديداً الطاقة الشمسية وطاقة الرياح ليست إلا عوامل مساعدة لإنتاج كهرباء مستدامة تساعد على تقليل الاعتماد على حرق الوقود، وبالتالي تقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون ولا يمكن اعتبارها بديلاً ذو تكلفة منخفضة؛ ويعود السبب إلى تكلفة إنشاؤها وأنها متذبذبة وغير مستقرة ولا يمكن الاعتماد عليها حتى اللحظة، وأن الاستفادة منها مرتبط دائماً بوجود مصادر طاقة تقليدية معها تعمل كمنظومة لضمان استمرارية وموثوقية الطاقة المنتجة، ويتم حساب تكلفة الكهرباء من هذه المنظومة بمعدل يسمى التكلفة النسبية للكهرباء (LCOE)، ولمزيد من المعلومات يمكنكم الاطلاع على الدراسة التي تجيب عن السؤال: إذا كانت قيمة الطاقة المتجددة تنخفض، فلماذا ترتفع أسعار الكهرباء؟ والتي قام بها مركز الملك عبدالله للدراسات والبحوث البترولية (KAPSARC).
وبعد توليد الكهرباء تأتي مرحلة نقل الكهرباء، حيث يتم نقل هذه الطاقة المنتجة عبر الموصلات في أبراج نقل الكهرباء والكابلات الأرضية وصولاً إلى محطات النقل (وتسمى محطات تحويل الكهرباء) داخل المدن والأحياء السكنية والصناعية، وأخيراً مرحلة توزيع الكهرباء حيث تصل الكهرباء إلى المستفيد النهائي من خلال إيصال الكهرباء من محطات النقل إلى المستهلك النهائي.
خلال هذه المراحل تفقد الكهرباء نسبة من كميتها المنتجة الأمر الذي يعد خسارةً لا يستهان بها، وحسب مركز إحصاءات وتحليل بيانات الطاقة الأمريكي فإنه في عام 2019 كان متوسط الفاقد الكهربائي في مختلف الولايات الأمريكية خلال مرحلتي النقل والتوزيع حوالي 5%، وهذا الرقم يعتبر جيداً لأنه منخفضاً على مستوى العالم ولكنه يفتقد للدقة؛ بسبب آلية الحسابات المتبعة والتي اعتمدت على التقديرات فقط في حساب الفرق بين الطاقة المنتجة والطاقة المباعة دون الأخذ بالاعتبار الدراسات الواقعية وإجراء حسابات وقراءات دقيقة، وبلغت نسبة الفاقد في مملكة الأردن 13% حسب ما نشر على لسان هيئة تنظيم الطاقة والمعادن الأردنية، وتتراوح نسبة الفاقد ما بين (5% إلى 20%) على مستوى العالم، وبحسبة بسيطة فإن كمية الفاقد الكهربائي في المملكة العربية السعودية اذا اعتبرناه 5% فقط ستكون أكثر من (14,000 جيجا.واط.ساعة) للعام 2020 وبتكلفة تقريبية تتجاوز 2 مليار ريال سعودي.
هذا الفاقد يعد جزءاً لا يتجزأ في رحلة الكهرباء ولا يمكن جعله صفراً في أي حال من الأحوال، وتعمل الشركات ومراكز الأبحاث على إيجاد الحلول لتقليله قدر المستطاع وقبل ذلك حصره وحسابه بشكل صحيح ودقيق، ولمعرفة كيف يتم تقليل الفاقد يجب علينا معرفة أنواعه وأشكاله وطرق حسابه، فيما يلي:
أولاً: تحسب الكمية المفقودة من خلال تحديد الفرق بين كمية الطاقة الكهربائية المنتجة وكمية الطاقة الكهربائية المستهلكة.
ثانياً: بسبب الحجم الضخم لمنظومة إنتاج ونقل وتوزيع الكهرباء، فإن الفاقد ينقسم إلى جزئين رئيسيين:
- الأول: الفاقد الذي بسبب المعدات والكابلات الناقلة للكهرباء؛ بسبب وجود المقاومة الكهربائية R والتي تستهلك كمية من الكهرباء المنقولة، ويسمى هذا النوع بالفاقد التقني.
- الثاني: يسمى الفاقد التجاري (الغير فني) والذي يكون بسبب مشاكل متعلقة بعملية حساب وفوترة الطاقة الكهربائية المستهلكة (من خلال العدادات)؛ بسبب وجود خلل في العداد، أو خلل بطريقة حساب الفاتورة، وقد يكون هناك عملية سرقة وتحايل من المستهلك النهائي بحيث يستفيد من الكهرباء بدون أن يتم فوترة ذلك.
ثالثاً: الفاقد الكهربائي هو عبارة عن كمية من الطاقة الكهربائية (واط.ساعة)، والتي يتم حسابها بالمعادلة (I x V) حاصل ضرب التيار في الجهد وتساوي (I²R) حاصل ضرب مربع التيار في المقاومة.
ماهي الممارسات المتبعة لتحديد الفاقد الكهربائي؟
يتم تحديد الفاقد إما من خلال تحديد الكمية المنتجة خلال فترة محددة ويطرح منها الكمية التي تم فوترتها على المستهلك خلال الفترة نفسها وهذه الآلية غير دقيقة وتعتمد بشكل كبير على التقديرات، الطريقة الثانية والأكثر دقة تتمثل بربط نقطة التوصيل للكمية المنتجة من الكهرباء في مرحلة توليد الكهرباء بعدادات دقيقة تحسب كمية الكهرباء بشكل متزامن مع الوقت ومقارنة هذه الكميات بالعدادات التي يتم تركيبها لدى المستهلك النهائي، مثل: العدادات الذكية والتي تحسب الكهرباء بدقة وبشكل متزامن مع الوقت أيضاً.
أخيراً، كيف يتم تقليل الفاقد الكهربائي؟
1- ذكرنا أن للمولدات والكابلات ومحولات التيار ونقاط الربط وغيرها من المعدات والأدوات المستخدمة في رحلة الكهرباء مقاومة كهربائية R تستنزف جزءاً من الطاقة الكهربائية هذا الاستنزاف يسمى الفاقد التقني، ومن خلال الاطلاع على معادلة هذه الكمية فإن الحلول التي يتم العمل عليها لتقليل الفاقد الفني تركز على:
- تقليل كمية التيار I الذي يمر عبر هذه المعدات من خلال رفع قيمة الجهد V لأن رفع الجهد يعني تقليل كمية التيار حسب معادلة الطاقة الكهربائية، على سبيل المثال: جهاز متوفر وله نوعين في السوق، الأول يستهلك 2 كيلو واط في الساعة ويعمل على جهد 110 فولت، والثاني يستهلك 2 كيلو واط في الساعة ويعمل على جهد 220 فولت، كمية التيار التي تمر في النوع الأول بداية من السلك الموصول بالكهرباء وصولاً إلى داخل الجهاز هي ضعف كمية التيار في الجهاز الثاني (I1=2*I2)، والمحصلة النهائية جهازان يعملان بنفس القدرة، لذلك عند إنتاج الكهرباء في محطات التوليد الكهربائية يتم تمرير الكهرباء على محولات كهربائية تقوم برفع الجهد V إلى مستوى عالي جداً بهدف تقليل التيار قبل نقله عبر خطوط نقل الكهرباء الرئيسية.
- العمل على تحسين معامل القدرة PF حيث أنه عامل مهم في ارتفاع وانخفاض التيار.
- من الحلول أيضاً العمل على تقليل قيمة R لهذه المعدات باستخدام مواد ذات معامل توصيل عالي مثل النحاس الصافي والتي تكون مقاومتها منخفضة، والعمل على استبدال المعدات القديمة ذات المقاومة المرتفعة، وإيجاد أفضل الحلول لنقاط الربط والتأكد من جودة العاملين فيها.
2- يمكن تقليل الفاقد الغير فني من خلال عمليات الفحص الموسعة على العدادات وكذلك تحليل بيانات الفوترة.
وختاماً أرجو أن أكون وفقت لشرح جزء من منظومة الكهرباء بشكل مبسط..