تخطى إلى المحتوى

ما مدى الحاجة لامتلاك الطاقة الذرِّيَـة؟

مقدمــــة

الكثير منا لا يجهل معنى القدرة أو الطاقة أو التقنية الذرية فقد عرفها الإنسان منذ ما ينوف عن سبعة عقود وبالتحديد عندما استُخدمت القنبلة الذرية على هيروشيما وناجازاكي لأول مرة في اليابان في نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945، وبعد ذلك تم التفكير بإنشاء معاهد ومرافق للأبحاث والدراسات والمشاريع الميدانية في مجالات الطاقة الذرية في عدد من دول العالم، وتم الاعتماد عليها والاستفادة منها في الأغراض السلمية وبخاصة في مجالات توليد الكهرباء والطاقات المتجددة وتحلية المياه وتحضير النظائر المشعة لاحتياجات الأبحاث الطبية والصناعية مما أتاح لهذه الدول استشراف حاجات مجتمعاتها والتخطيط لتلبيتها بشكل دقيق ومدروس يساعد في زيادة معدلات التنمية ويمنحها القدرة المعرفية ضمن الاتفاقات والمعاهدات الدولية المتعلقة بموضوع الأمان النووي التي تنظم استخدام الطاقة الذرية للأغراض السلمية وتوفير المواد الضرورية للاستخدامات الطبية والزراعية والصحية وكافة الاحتياجات الوطنية، وتفتح بابًا واسعًا للمساهمة في تطوير العلوم والأبحاث والصناعات ذات الصلة بالطاقة الذرية والمتجددة في الأغراض السلمية، بما يؤدي إلى توطين التقنية ورفع مستوى المعيشة وتحسين نوعية وجودة الحياة وبخاصة أن العالم بأسره يشهد نموًا مطردًا وبمعدلات عالية للطلب على الكهرباء والمياه المحلاة وبخاصة في الدول التي تفتقر لمياه الشرب واستجابة للنمو السكاني والامتداد الحضري بها. ويقابل هذا الطلبَ المتنامي على الكهرباء والماء طلب متزايد على الموارد الأحفورية (النفط والغاز) القابلة للنضوب لاستخدامها في توليد الكهرباء وتحلية المياه التي ستستمر الحاجة لتوفيرها بشكل متزايد، ولذلك فإن استخدام مصادر بديلة مستدامة وموثوقة لتوليد الكهرباء وإنتاج المياه المحلاة يقلل من الاعتماد على تلك الموارد ا وبالتالي يوفر ضمانًا إضافيًا لإنتاج الكهرباء وتحلية المياه في المستقبل ويحفظ في الوقت ذاته تلك الموارد الأحفورية الثمينة أو على الأقل يقلل من استخدامها واستهلاكها واستنفادها، الأمر الذي سيؤدي إلى إبقائها مصدرًا مهمًّا للدخل لفترات طويلة من الزمن.

ماهية الطاقة الذرية

تعتبر الطاقه الذرية من أعظم مصادر الطاقه في العالم حيث يمكن استغلالها في مناحٍ شتى كتوليد الكهرباء وتحلية المياه وفي استخلاص النظائر المشعة في الطب وتحسين المنتجات الزراعية وغير ذلك من الاستخدامات السلمية التي لا حصر لها، بيد أنها من جانب آخر ينظر إليها على أنها من أكثر مصادر الطاقة حساسية وأكثرها إثارة للجدل والهواجس كونها قد تستخدم في صنع القنابل الذرية أعظم الاسلحه فظاعة وهلعًا وأشدها فتكًا وتدميرًا. ويُعرف عنصرا اليورانيوم والبلوتونيوم على أنهما العنصران المستخدمان في إنتاج الطاقة عن طريق الانشطار النووي إذ أن كل ذرة من ذرات اليورانيوم والبلوتونيم لها نواة عند مركزها تتكون من (بروتونات ونيوترونات)، وعند الانشطار النووي تتصادم ذرة النيوترون مع ذرة اليورانيوم، وعندئذ تنفلق النواة الى جزئين مطلقه كمية هائله من الطاقه، كما أنها تحرر نيوترونين أو ثلاثه لتتصادم هذه النيوترونات مع ذرات أخرى ويحدث نفس الإنشطار في كل مرة وهو ما يسمى بالتفاعل المتسلسل، ولهذا يمكن أن يحدث ملايين الملايين من الانشطارات في جزء من المليون من الثانيه، وهذا هو ما يحدث بالفعل عندما تنفجر قنبله نووية. وعندما تنتج طاقه نوويه للأغراض السلميه العاديه فإن الانشطارات تحدث في آلة مصممة لذلك تسمى المفاعل النووي أو الفرن الذري حيث يتم التحكم في سرعة الإنشطارات بطرق مختلفه منها استخدام قضبان التحكم في عزل بعض النيوترونات بعيدًا عن عملية التفاعل.

الكهرباء والماء من الطاقة الذرية

تعد المفاعلات الذرية مصدرًا أساسيًا للطاقة الكهربائية في كثير من البلاد المتقدمة والغنية وبعض الدول النامية خاصة خلال الفترة من أواخر القرن العشرين، وينتج المفاعل النووي في المتوسط طاقة كهربائية تبلغ حوالي ألف ميجاوات سنوياً، كما يتميز السعر النهائي للكهرباء المنتجة منه بأنه يقل كثيرًا عن مثيلاته منمختلف أنواع الطاقة الأخرى، وهذه تعتبر الميزة الوحيدة للمفاعل النووي. ويعتبر اليورانيوم الوقود الأساسي للمفاعل الذري حيث يستخدم منه ثلاثة وثلاثونطنًّا اً سنويًا يتم تنقيتها واستخلاصها من حوالي مائة ألف طن من خام اليورانيوم، ليتم تحويلها كيميائيًا بالأكسدة إلى النظير الفعّال (يورانيوم 235) لتبدأ عملياتالانشطار النووي لليورانيوم التي ينتج عنها الطاقة المطلوبة لتشغيل التوربينات الكهربائية.

تزود الطاقة الذرية دول العالم بأكثر من 16% من الطاقة الكهربائية؛ فهي تمد 35% من احتياجات دول الاتحاد الأوروبي، كما أن اليابان تحصل على30% من احتياجاتها من الكهرباء من الطاقة الذرية، بينما تعتمد بلجيكا وبلغاريا والمجر وسلوفاكيا وكوريا الجنوبية والسويد وسويسرا وسلوفينيا وأوكرانيا على الطاقة الذرية لتزويد ثلث احتياجاتها من الطاقة وذلك لأن كمية الوقود النووي المطلوبة لتوليد كمية كبيرة من الطاقة الكهربائية أقل بكثير من كمية الغاز أو البترول اللازمة لتوليد نفس الكمية من الطاقة، فطن واحد من اليورانيوم يقوم بتوليد طاقة كهربائية أكبر من ملايين من براميل البترول، كما أنها طاقة نظيفة لا تطلق غازات ضارة في الهواء كغازات ثاني أكسيد الكربون وأكاسيد الكبريت والنيتروجين التي تسبب الاحتباس الحراري والمطر الحمضي والضباب الدخاني. ومن الجدير ذكره أن الحديث عن إنتاج الماء بتحلية مياه البحر المالحة قد يسير بشكل متواز مع عملية إنتاج الكهرباء من الطاقة الذرية حيث تستغل الحرارة الناتجة من تلك الطاقة في تبخير مياه البحر ومن ثم تحويلها إلى مياه عذبة كما هو المعمول بها لدينا في منطقة الخليج العربي ولكن من خلال تطبيق الطرق التقليدية في إنتاج الطاقة الحرارية.

استخدامات الطاقة الذرية

تستخدم الطاقه الذرية في وقتنا الحاضر في أغراض ومناح شتى منها توليد الطاقة الكهربائية، كذلك يمكن من خلالها تسيير السفن الضخمة (عابرات المحيطات)، وكذلك الغواصات لأن المفاعلات النوويه لا تحتاج إلى أكسجين ولذا يمكن للغواصات النوويه البقاء تحت الماء لفترات زمنيه طويلة. كذلك تستخدم الطاقة الذرية في الطب حيث إن هناك أنواع معينة من الذرات الناتجه أثناء الإنشطار النووي تساعد الأطباء في تشخيص بعض الأمراض والمستعصية منها ومكافحتها وتسمى هذه الذرات بالنظائر المشعه، وهي ذات استخدامات أخرى كثيره في الصناعة والزراعة. كذلك يمكن استغلال الطاقة الحرارية الناتجة عن الإنشطار النووي في تحلية مياه البحر والحصول على مياه عذبة، كما يمكن استغلال هذه الحرارة في تشغيل توربينات لتوليد الكهرباء كما يحصل استغلالها الآن بالطرق التقليدية لتحلية مياه البحر المالحة لدينا في دول منطقة الخليج العربي.

اعتبارات السلامة والأمان في استخدامات الطاقة الذرية

هناك جهود كبيرة بذلت وتبذل أثناء عمليات تصميم المفاعلات الذرية وبنائها من أجل الوصول إلى أعلى درجات السلامة والأمان. ومن المعروف أن كل دولة تستخدم الطاقة الذرية للأغراض السلمية تنشئ هيئات رقابية حكومية مستقلة لمراقبة استيراد وتركيب وتشغيل وتخزين كل الأجهزة والمواد التي يصدر عنها إشعاعات مؤينة ضارة بالصحة والبيئة والمسطحات الخضراء والكائنات النباتية والحيوية. ويصبح وجود هذه الهيئة أكثر ضرورة عند البدء ببناء مفاعلات بحثية أو مفاعلات لإنتاج الطاقة.

إن اعتماد خيار الطاقة الذرية يرتكز أساسًا على عدة عوامل جوهرية منها مدى توفر المصادر الأخرى للطاقة (بترول، فحم، غاز طبيعي، طاقات متجددة)، كذلك مدى الوعي البيئي ووجود الجهة المستثمرة (دولة، قطاع خاص)، كذلك مدى المستوى التقني لامتلاك التقنيات الذرية في ميدان المفاعلات النووية، كذلك مدى نمو الطلب على الطاقة في البلد إذ يرتبط بالنمو المتزايد والنشاط الاقتصادي العالمي، كذلك توفر الوقود النووي الذي يعتمد على ما هو متوفر من اليورانيوم أو ما يمكن توفيره عبر اكتشافات جديدة بتقنيات جديدة. وهناك أيضا عوامل جوهرية عدة يجب أخذها في الحسبان عند التفكير في الاستحواذ على الطاقة الذرية واستغلالها والاستفادة منها، ومن تلك العوامل ما يلي:

إدارة النفايات المشعة: يجب أن يتم التفكير فيه لاسيما على ضوء التكلفة العالية للتخلص من تلك النفايات وإيجاد أماكن تدفن فيها (عميقا) تحت سطح الأرض، مع العلم بأن مراكز البحوث الذرية في جميع أنحاء العالم تعمل جاهدة على التخلص من تلك النفايات الضارة بإيجاد وسائل آمنة وتقنيات حديثة لحل تلك المعضلة المتمثلة في الإشعاعات المنبعثة منها للحيلولة دون إلحاق الضرر بالبيئة أو المناطق المحيطة بها إذ قد يكون تأثيرالإشعاع غير مباشر، فمياه التبريد المستخدمة في المفاعلات الذرية قد تصاب بالإشعاع وبالتالي مياه الأنهار أو البحيرات التي بدورها تؤثر على الكائنات الحيةالموجودة فيها وبالتالي حياة الكائن المستهلك لها، فإصابة الأسماك تؤدي إلى إصابة الإنسان على مسافات بعيدة قد تصل إلى مئات الأميال عن مصدر الإشعاعخصوصاً في مواسم التكاثر حيث تنتقل الأسماك، وكذلك عن طريق الطيور المتغذية على الأسماك أو الكائنات الأخرى القريبة من المفاعلات الذرية وقتهجراتها السنوية.

الأمان النووي: وهو ذو سجل مثير للجدل بالنظر للحوادث المأساوية المثيرة للفزع إذ يعزى معظم حوادث المفاعلات الذرية إلى عدة عوامل منها طريقة تغليف الوقود المستخدم ونوعيته ودرجة نقائه، كذلك الوعاء الخرساني الواقي لقلب المفاعل وقوة متانته واحتماله المطلوبة، أيضا جهاز التبريد لقلب المفاعل وضمان استمرارية تشغيله حتى لا ترتفع درجة حرارة المفاعل مما يؤدي إلى تسرب الغازات المشعة أو المواد القابلة للتبخر. ومن أشهر حوادث المفاعلات هي تلك وقعت في جزيرة الأميال الثلاثة بولاية بنسلفانيا بأمريكا في 28 مارس 1979م وما أحدثته من هروب للسكان القريبين منها، وكذلك حادثة مفاعل تشيرنوبل في روسيا والتي حدثت في 26 أبريل من عام 1986م والتي تعد أكبر كارثة نووية شهدها العالم والتي كان سببها تعطل جهاز التبريد داخل قلب المفاعل وبالتالي تكونت السحابة الذرية ومن ثم انتشارها لأماكن أخرى حيث عملت الرياح علىنقلها وتحريكها فتضررت ألمانيا والسويد وتركيا ضررًا بالغًا إذ بلغ الضرر دولاً أوروبية أخرى، وبما أن ألمانيا والسويد وتركيا تعتبر أكثر الدول التي تعرضت للغبار الذري الناتج عن حادثة تشرنوبل فقد تلوثت الأرض وبالتالي تأثر النبات ثم الحيوان الذي يقتات على هذا النبات. إن التلوث الحيواني سواء لحم الحيوان أو إنتاجه من اللبن لم ولن يكتشف في حينه خاصة أن كل مادة مشعة تفقد نصف ما تحمله من إشعاعات في مدد وفترات قد تقاس بالأيام أو السنين. وقد تختلف نوعية الاستهلاك الآدمي من المواد الغذائية في حالة تلوثها بالإشعاع من دول لأخرى حسب عادات كل منها، فمثلاً يعتبر الأرز الغذاء الأساسي في الصين والأسماك في اليابان والمناطق الساحلية واللحوم في السويد التي تعرضت لتلوث كامل، لذا طالبت جميع دول العالم باعتبار كل المواد الغذائية المنتجة في البلاد المحيطة بحادثة  تشرنوبل ملوثة حتى يثبت العكس، كذلك لازلنا نتذكر أحدث حادثة وهي كارثة زلزال اليابان الكبير الذي وقع في 11 مارس 2011م وما تبعه من انفجار مفاعل فوكوشيما النووي. لقد رؤي أنه بعد وقوع هذه الحادثة أن التوسع في استخدام التقنية الذرية ربما يؤدي إلى زيادة احتمالات وقوع مثل هذه الحوادث العارضة مما يستدعي جهودًا إضافيةً وخططا استباقية لتلافي مثل تلك الحوادث المريعة وتجنب مخاطرها الماحقة.

إنتشار الأسلحة: إن المخاوف من انتشار السلاح النووي يساهم في عدم التمكن من اعتماد الخيار النووي في بعض الدول لا سيما تلك التي يتوجب عليها شراء المفاعلات والمواد الذرية من الخارج وكيفية علاج والتخلص من نفاياتها، كما أنه يعتمد على موقف الرأي العام لديها من الطاقة الذرية باعتماد الخيار النووي كمصدر ضمن مصادر الطاقة الأخرى.

توفير المهارات في الميدان النووي: ويعتبر هذا الأمر ذو أهمية في ظل وجود قرار باعتماد الخيار النووي حيث إن الوصول بالمهارات الوطنية في أي ميدان -لاسيما ميدان الطاقة الذرية- يتطلب جهداً ووقتاً كبيرين، ورغم توفر هذه المهارات في الدول الكبرى فإنها بدأت تحس بالقلق إزاء تقلص الاهتمام بهذا التخصص في الجامعات ومراكز البحوث، لذا وضعت مشاريع دولية ووطنية (بالتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية) للحفاظ على المعرفة، وهذا ما يستدعي أن تتحول الدول الأخرى بمجهودات إضافية لتوفير حد معقول من المهارات الذرية ذات الأغراض والتوجهات السلمية.

البحث والتطوير: إن وجود مهارات وكفاءات في علوم الطاقة الذرية مؤهلة ومدربة على إنتاجها وإدارتها والهيمنة عليها سيؤمن اندفاعًا في مجالات البحث والتطوير يهدف لاستغلال أمثل للطاقة الذرية كمصدر ثري وموثوق من مصادر الطاقة المستقبلية يمكن الركون إليه والاعتماد عليه.

يجب أن يكون التعامل مع المواد الذرية سواء أكان لإنتاج الكهرباء أو الماء أولأية أغراض صناعية أخرى من المفاعل النووي على أعلى درجة من الحيطةوالأمان، وعند التفكير في إنشاء مفاعل نووي لإنتاج الطاقة الكهربائية يجب أن تؤخذ بعض الاعتبارات بجدية ولعل من أهمها المواصفات التي تضمن عواملالأمان عند إنشاء المفاعل ودراسة اتجاه الرياح على المنطقة، كما يوصى بضرورة مراعاة الحوادث العرضية والجوية واحتمالات التخريب والأخطاء البشرية الاحتياط اللازم لمثل هذه الطوارئ وكذلك التكلفة الاقتصادية لتشغيل المفاعل وصيانته الدائمة ،والطريقة المثلى للتخلص من مخلفات المواد المشعة الناتجة منالتفاعل النووي (النفايات الذرية) داخل قلب المفاعل.

مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة

أدركت المملكة ببعد نظرها وثاقب بصرها وشديد حرصها على كيانها ومستقبلها ونموها وتطورها أنه لزامًا عليها أن تحث الخطى نحو مسايرة الركب العالمي في مجالات الطاقة الذرية والمتجددة، فهي ولله الحمد بلاد واسعة الأرجاء مترامية الأطراف حباها الله بنعم كثيرة ومصادر متعددة حريٌّ بها أن تستثمرها وتستفيد منها بل وتحافظ عليها وتطورها، وفي هذا السياق فقد تم إنشاء مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتحددة لكي تتولى هذه المدينة مهام برامج الاستخدامات السلمية للطاقة الذرية في المملكة وبخاصة في مجالات توليد الكهرباء وتحلية المياه وتحضير النظائر المشعة في فروع الأبحاث الطبية والصناعية مما سيمكن المملكة من استشراف حاجة المجتمع والتخطيط لتلبيتها بشكل مدروس ودقيق يساعد في زيادة معدلات التنمية ويعطي المملكة القدرة المعرفية ضمن الاتفاقات والمعاهدات الدولية المتعلقة بموضوع الأمان النووي التي تنظم الاستخدام السلمي للطاقة الذرية وتوفر المواد الضرورية للاستخدامات الطبية والزراعية والصحية وكافة الاحتياجات الوطنية، وهذه المدينة تفتح بابا واسعا للمساهمة في التنمية المستدامة في المملكة باستخدام العلوم والأبحاث والصناعات ذات الصلة بالطاقة الذرية والمتجددة في الأغراض السلمية بما يؤدي إلى توطين التقنية ورفع مستوى المعيشة وتحسين نوعية الحياة، فما تشهده المملكة من إجراءات وتدابير إصلاحية مستمرة يقود محصلته ملك الحزم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده الأمين الامير محمد بن سلمان – حفظهم الله – من تطور ونمو في شتى المجالات، هو نتاج لثقافة الابتكار المعرفي والاداري الذي ارسى قواعده سمو ولي العهد من خلال اطلاق سموه لرؤية الوطن الطموحة 2030 في السنوات الماضية والتي أكسبت الاقتصاد المحلي مرونة عالية وتأقلمًا سريعًا حيال أي طارئ قد يؤثر على ما خُصص لمشروعات التنمية الشاملة والتي شملت مجالات مختلفة كمشروعات قطاع الطاقة الوطني والسعي الى توفير متطلبات التنمية الوطنية المستدامة عبر تنويع مصادره من خلال إدخال تقنيات الطاقة الذرية والطاقة المتجددة لإستيعاب الطلب المحلي المتنامي الذي يشهد نموًّا مطردًا وبمعدلات عالية للطلب على الكهرباء والمياه المحلاة تبعًا للنمو السكاني والامتداد الحضري والتوسع في البنى الأساسية اللازمة.

الخاتمـــة

إن التحديات المصاحبة لقضايا مصادر الطاقة وتأثيراتها على السلامة والصحة والبيئة ستبقى في العقود القادمة كبيرة ومثيرة للجدل، ويبقى على الدول التي تمتلك القدرات الذرية والنووية أن تساهم في تطوير مفاعلات أكثر أمانًا وأقل تكلفة وأفضل جذبًا للإستثمار التجاري، بيد أن القرار يبقى غير كاف إذ يجب أن يسبقه قرار بإعداد قاعدة راسخة من العلماء والمهندسين والفنيين المؤهلين القادرين على مواكبة تصميم وتركيب تلك المفاعلات وتشغيلها بكفاءة وسلامة وأمان. ويمكن القول أن هذا القرار يجب اتخاذه بغض النظر عما إذا كان ثمة خطط لبناء مثل تلك المفاعلات الذرية أم لا، فبدلاً من أن نوجه طلابنا نحو دراسات لا ولن تجدي نفعًا للإكتفاء في مجالاتها وتخصصاتها، يتوجب أن يكون ثمة توجيه نحو دراسات الطاقة الذرية للأغراض السلمية حيث إن الحاجة لوجود علماء ومهندسين وفنيين في ميدان الاستخدامات السلمية للطاقة الذرية هي حاجة جلية وملحة سيما في وقتنا الحاضر وقبل أن يفوتنا القطار ثم نتطلع حولنا فنجد العالم قد سبقنا ونحن ما برحنا نراوح مكاننا ولازلنا ننتظر الركوب للمحطة القادمة وبخاصة نحن في بلداننا العربية يجب أن نسابق الزمن ونلحق بالركب قبل فوات الأوان.

 

 

كاتب

  • أ. د. عبد الله محمد الشعلان

    أستاذ الهندسة الكهربائية بقسم الهندسة الكهربائية، جامعة الملك سعود تخصص دقيق هندسة القوى الكهربائية، يدخل في التخصص بعض الاهتمامات مثل تخطيط الأنظمة الكهربائية، التمديدات الكهربائية، ترشيد الطاقة الكهربائية، السلامة الكهربائية، استراتيجيات إدارة الأحمال الكهربائية، الطاقات المتجددة، تحسين أداء وتقليل تكاليف الأنظمة الكهربائية، ربط الأنظمة الكهربائية، السيارات الكهربائية، المواصفات القياسية السعودية ذات العلاقة بالكهرباء، مخاطر الإشعاعات الكهرمغناطيسية المنبعثة من خطوط الجهد العالي والأجهزة والمعدات الكهربائية.